مثلت جائحة كورونا كأكبر كارثة إنسانية يواجهها الجيل الحالي، اختبارا كبيرا لمفهوم التضامن الدولي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية، وطرح تساؤلات عن جدوى المؤسسات والاتفاقيات والمعايير الدولية التي تشكل جوهر هذا التضامن!
أفاض البعض في الكتابة عن خلل التضامن الدولي، وأن جائحة كورونا قد كشفت عن هشاشته بسرد الوقائع التي تدلل على هذه الفكرة، ابتداء من إحجام العالم عن مد يد العون للصين، عند تفشي الوباء فيها، ووقوفه موقف المتفرج، حتى فوجئ بانتشار الوباء في أنحاء العالم، ووصوله إلى القارة الأوروبية، وانتقال بؤرة الوباء إلى إيطاليا، وإحجام أعضاء الاتحاد الأوروبي، عن مساعدة جارتهم حتى قبل وصول الوباء إليهم، وصولا إلى أعمال القرصنة التي ارتكبتها بعض الدول، حين صادرت شحنات طبية موجهة إلى دول أخرى!
في ذات السياق، عدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أوجه القصور في التعاطي الدولي مع الجائحة، مشيرا إلى الخلاف المحتدم بين أميركا والصين، والذي يعطل الجهد الدولي المشترك لمكافحة جائحة كورونا، واعتماد إستراتيجيات مختلفة للتعامل معها، وعدم وجود التضامن والتنسيق الكافي خاصة بين الدول النامية!
ولكن في المقابل، واعتمادا على وقائع أخرى، فإن صورة التضامن الدولي، لمواجهة كورونا، لا تبدو بتلك القتامة، فرغم وصول الوباء إلى دول أوروبا الغربية، والتي تعتبر بين المانحين الرئيسين في العالم، واضطرارها إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لمواجهة الجائحة في عقر دارها، إلا أن ذلك لم يمنعها من مد يد العون للآخرين!
وفضلا عن المساعدات العاجلة التي قدمها الاتحاد الأوروبي، لكل من الجزائر وتونس والأردن وفلسطين، لمواجهة الجائحة، أقر الاتحاد حزمة مساعدات مالية للدول الأعضاء والشريكة بقيمة 15.6 مليار يورو، بهدف دعم أنظمة المياه والصرف الصحي، والحد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للوباء، ومؤخرا تم الاتفاق بين قادة الاتحاد على إنشاء صندوق طوارئ بنصف تريليون يورو من أجل المساعدة في جهود التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا وفق ما نشره الاتحاد الأوروبي في موقعه تحت «الاستجابة الدولية للاتحاد الأوروبي في وباء كورونا»
https://ec.europa.eu/commission/presscorner/detail/en/QANDA_20_606
كما قدمت الصين، بعد نجاحها في احتواء الوباء مساعدات طبية لبعض الدول العربية والأوروبية، وحتى الصومال وليبيا، وكلاهما يعاني من صراع عسكري دام، قد قاما بإرسال عدد من الأطباء لمساعدة إيطاليا في مواجهة الوباء!
وعلى الجانب العربي الإسلامي، كانت هناك نماذج مشرفة في التضامن، حيث قدمت الكويت لمنظمة الصحة العالمية 60 مليون دولار و40 مليونا لدول متفرقة، فضلا عن التدفقات المالية من الجهات الخيرية الكويتية، بينما قدمت السعودية 10 ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية، على حين دعمت الإمارات 24 دولة بـ 260 طنا من المعدات الطبية لمواجهة كورونا! وكما استعدت الأردن بإرسال طواقمها الطبية.
لعل التركيز على السلبيات، في هذا الإطار، يغفل واحدة من حقائق السلوك الإنساني، وهي أن البشر، فرادى أو حكومات، يعطون الأولوية وقت الأزمات لذواتهم، ويقدمون أنفسهم وما يخصهم على كل شيء آخر، لكن جائحة كورونا، وإن قادت البعض أو اضطرتهم إلى التصرف بأنانية مفرطة ولاسيما في بدايتها أو ذروتها، ستفرض بطبيعتها على الجميع، أن يعيدوا التفكير بمدى أهمية التضامن والتعاون والتنسيق لمواجهة هذا الوباء الذي لا يفرق بين جنسية أو عرق أو دين!
[email protected]