في يوم من الأيام وأنا في الجمعية التعاونية، صادفت مجموعة كبيرة من الشباب الصغار تتراوح أعمارهم ما بين الثانية عشرة والخامسة عشرة سنة، ومن بعيد كنت أراقب تصرفاتهم وأتأمل هؤلاء الفتية، فاتضحت لي حقيقة مؤلمة وهي أنهم تعساء، ليس كما يقال عنهم إنهم جيل الأجهزة الذكية، وأنهم جيل صعب و... إلخ، ولكن الحقيقة تكمن في أنهم طينة طرية قابلة للتشكيل وتشكيلهم مهمل يعتريه الخطأ، فالذنب يلقى على الآباء والأمهات في عدم التوجيه الصحيح والقدوة الحسنة، ومن سمات العصر الحديث كثرة الاحتياجات التي جعلت من الحياة العصرية أكثر تعقيدا مما جعل الغالبية العظمى من الآباء والأمهات دائمي الانشغال، ولا يوجد لديهم أدنى سعة صدر لتنشئة جيل صالح، كل ما في الأمر تنفيذ رغباتهم في الخروج والتنزه وامتلاك التقنيات وغيرها من الكماليات، تأنيب للضمير وليس فكرا يغرس وسلوكيات تتقن، والواقع يكمن وراء غياب الأب الدائم خارج المنزل بحجة أو من دون حجة، فوجوده ينحصر في أوقات النوم والراحة وتناول الطعام وغير ذلك يكون بتأدية واجبه كأب للخروج مع أبنائه للتنزه، أما الأمهات اليوم فينقسمن إلى قسمين: أمهات جالسات في المنزل (خيال مآتة) بسبب الحرقة التي تملأ قلوبهن جراء الضغوط النفسية التي تملأ حياتهن، مما جعل الأم اليوم سريعة الانفعال والغضب غير متحكمة في تصرفاتها حتى أصبحت تلك التصرفات خارج سيطرتها، أما النوع الثاني من الأمهات فهي كثيرة الخروج والانشغال لا تحبذ الاستسلام للبيت وإنما الخروج والنزهة معلمة أبنائها الخروج دون ضوابط تذكر.
والسؤال؟ أين هؤلاء الصغار من أبناء وبنات المجتمع من ذلك كله؟ ماذا يتعلمون؟ وكيف ينشأون؟
فإن كانت أول خمس سنوات للطفل مهمة في بناء أساس قوام شخصيته من الناحية النفسية والسيكولوجية، فإن سن المراهقة سن تكون الاتجاهات والأفكار والميول وامتداد بناء الشخصية نفسيا واجتماعيا وفكريا، وهي من أخطر الفترات العمرية لكونها سريعة التأثر بالفئة الاجتماعية الأكثر احتواء لها، وتلك الفترتان حساستان لدرجة أنهما تؤثران على الشخص فيما بعد كفرد صالح في المجتمع.
نلاحظ أن الكثير من هؤلاء الصغار يفقدون الصواب والاتزان في المشي والحديث والتصرف، وهذا ما يقلق الكثير من الآباء والأمهات دون أدنى وعي من المؤسسات التربوية التي يمر بها الفرد، ولعل كثرة الانفعالات التي يتلقاها الصغار السن في البيت والمدرسة خلقت منهم جيلا محبطا ـ متهورا ـ متوترا ـ عصبيا ـ عنيفا ـ عدائيا ـ تعيسا، فيجب علينا أولا التحمل من أجل هؤلاء الصغار، بالإضافة إلى المراقبة التامة الواعية لأن ما يمتلكونه اليوم به من الخطورة مالا يتصوره العقل على المدى القريب والبعيد، كذلك انضباط سلوكياتهم في اليوم والليلة أمر مهم، فلو تحدثنا عن الذكور، فإن أول خطوة لبناء شخصيتهم وضوابط اتزانهم هي مرافقة الأب أبنائه الذكور للمسجد عند كل فريضة، وللأسف الكثير من الآباء اليوم لا يحرصون على تلك الفريضة أما بتركها أو التكاسل عنها أو تحبيذ أدائها في المنزل، وللأسف الغالبية تلغي ولا تعي بأهمية دور تلك العبادة في دور العبادة في ضبط الأبناء نفسيا (هدوء نفسي ـ اتزان) وسلوكيا وفكريا، فكيف لذلك الجيل له أن ينشأ بالطريقة الصحيحة.
لقد عنى الإسلام بالنشأ أولا كأفراد تقوم على عاتقهم مهمة إعمار الأرض، فالدين الإسلامي من قرآن وسنة إنما لسعادة البشر وليس لشقائهم، فقد الزم الرجل برعيته، فيجب على الأب حل مشكلة الابناء وخاصة (مرحلة المراهقة) من حيث شغل وقت الفراغ، وتعليم الحرص على الصلاة واحترام الوقت، واصطحابهم لمجالس الكبار حتى يتعلموا منهم أصول الحديث والكلام، وتوعيتهم بالفكر بما يجري حوله من أمور تتعارض مع الدين الاسلامي مثل الفحش (من نكت ـ وأحاديث بذيئة ـ وشتم ـ وصور وفيديوهات مخلة للأدب عبر الجهاز... وغيرها)، وتشجيعه على العلم وتحبيبه به، مع بيان حقوق بر الوالدين واحترام الإناث (أخواتهم)، كذلك احترام الآخرين وحق الطريق بغض البصر وعدم التعليق على كل ما يرى، مع بيان آفات اللسان وكيفية حماية النفس منها، إلى جانب تدريبهم على الصمت فهو فن ورقي، والرفق والحب والعطاء فهي من صفات الأنبياء الأخيار، جميع ما سبق مهمة جليلة للرجل وهي أهم من عمله ومصالحه، فالأب القدوة مثال صالح لأبنائه وأبناء المحيطين به من بيئته، فلا ينفع أن يكون الأب قدوة لابنه في الظاهر ومن ورائه يعمل المتناقضات، إن لم يره الابن فإن الله يراه وسوف يبليه بأبنائه ليريه سوأة عمله، فانضباط رب الأسرة يعني عمار وسعادة ورقي وأمان، لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
e-mail: [email protected]
twitter: @family_sciences