إن الإنسان القديم أقوى وأبصر آلاف المرات من الإنسان المعاصر، على الرغم من الطفرة المعلوماتية والتكنولوجية التي تعيش بها البشرية اليوم، وإنما الأمر يعود الى اختلاف العمل العصبي لعقل الإنسان الطبيعي، ونظرا للنقلة النوعية في نمط الحياة المعاصرة التي اعتمدت على الذكاء الاصطناعي في معالجة الأمور، والذي أمكن الفرد المعاصر من سرعة حل مشاكله الحياتية بيسر وسهولة مقابل سطوة المادية التي أهلكت كاهل الفرد بكثرة الاحتياجات.
فعلى سبيل المثال، في القدم كانت الأعمال الهندسية تعمل على أبعاد علمية تتطلب الحساب وتفكيك الشيفرات وتشغيل العقل البشري ليتوسع في العمل الإبداعي، والتي لاتزال تلك الأعمال محط دراسات علمية معاصرة لم يتم اكتشاف جميع أسرارها بعد، فالعلم اليوم عجز عن حل كثير من ألغاز التقنية الهندسية الإبداعية التي هي من إنجاز الحضارات الإنسانية القديمة، أما الإنسان المعاصر فيعيش معضلة العولمة والتي تعمل عمل المقايضة المادية، حيث الاستنفاع مقابل إعدام تفكير العقل الواعي، حيث إن الذكاء الاصطناعي وسطوة الآلة على حياتنا في انجاز المهام قد أوقف بعض أعمال العقل البشري في التفكير المعقد الذي ينعكس على زيادة ذكائه بدلا من تراجعه.
إن الفرد القديم بذكائه وبلاغته وإبداعاته يعادل 100 عمل فرد معاصر، وذلك لأسباب عدة منها:
٭ البساطة والطبيعة التي كان يعيش بها الفرد القديم لعبت دورا في توسيع آفاقه في الإبداع بشتى المجالات في إيجاد الحلول الصعبة التي تتطلب تفكيرا أكبر بالعقل الواعي بدل الاعتماد على العقل اللاواعي إثر استخدام التكنولوجيا.
٭ الإدمان السلوكي بشتى أنواعه نظير المادية وسطوتها، على سبيل المثال هوس التسوق ـ الموضة ـ الامتلاك ـ الانشغال بالأجهزة وأخبار الناس.. وغيرها الكثير، كلها تعمل على زيادة هرمون «الدوبامين» بقوة، ما ينعكس مع التكرار وفقد السيطرة على افرازه بمعدله الطبيعي المعتدل، وهذا يعمل على أسر العقل البشري وراء الماديات وتوافه الأمور بدلا من التركيز على الأهداف، ويترتب على ذلك مشاكل في الذوق والسلوك العام وطريقة التفكير والانحدار القيمي والثقافي، حيث إن «الروتين» يغير بنية الدماغ ووظائفه إما بالسلب أو الإيجاب.
٭ كما أن العمليات الحسابية وتفكيك الألغاز وحلها وتشغيل الدماغ في انتاج الحلول اليومية الحياتية، لها القدرة على تعديل المرونة العصبية التي تجدد المسارات العصبية للدماغ والتي تتحكم في نمط شخصياتنا وطريقة تفكيرنا واتخاذ قراراتنا وصحة عقولنا، وهي العملية التي لا تتوقف مهما تقدم الإنسان بالعمر، فهي دائمة التجديد دام الإنسان قائما على التفكير الذاتي بدلا من اعتماده على الآلة في حل مشاكله الى جانب نمط حياة الترف التي انعكست على تراجع العقل البشري والصحة العامة، وهذا ما أثر على ذكاء الفرد الطبيعي المعاصر بالمقارنة مع الانسان القديم وقدرته على التركيز والادراك والتمييز، وهي أخطر ثلاث عمليات يقوم بها العقل إن مست بسوء.
وأخيرا ومما سبق، فإن أعداء الأمة اليوم لم يعودوا يحاربوننا بالسلاح المادي، وإنما بالسلاح الفكري عن طريق الإغراء والإغواء، فلنتأمل قليلا.