يتأهب العالم أجمع وتترقب القلوب المحبة للخير والإنسانية والسلام ذكرى مولد السيد المسيح عليه السلام وبداية عام ميلادي جديد، وهي الذكرى التي تشتاق إليها الأرواح اشتياق الأرض القاحلة الجدباء لمياه الأمطار لكي تنبت فيها مروج الأمل والسعادة والتفاؤل بخير ما هو قادم على البشرية جمعاء.
هي الذكرى التي يحتفل بها العالم أجمع، وهي الذكرى التي اتفق كل من في الأرض على أنها موسم المحبة والإنسانية يتبادل فيها جميع البشر التهاني والأمنيات الطيبة، ولمَ لا وهي ذكرى مولد رجل السلام والمحبة! هي الذكرى التي تستيقظ فيها القلوب من سبات غفلتها لتلبي نداء الرحمة واللين والعطف والأمل بغد تشرق فيه شمس الإنسانية على الأرض، فتختفي خفافيش الظلام بلا رجعة بإذن الله تعالى، هذه الكائنات الظلامية التي لا تحب نهار الحق وأنوار الفطرة الإنسانية السوية، هذه الكائنات الظلامية التي لا تريد أن تحيا إلا في كهوف الضلال وأجوائه الرطبة والتي تشكل بيئة خصبة لكل ما هو غث من ترهات لا ترقى إلى مستوى الفكر الإنساني الرفيع ولا تستحق عناء الرد لإثبات ما هو مثبت حقيقة ويقينا في قلوب الأسوياء من بني آدم الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير من خلقه.
على أي حال، فإن هذه المناسبة العظيمة هي فرصة لاستعادة السلام النفسي قبل كل شيء، هذا السلام النفسي الذي أصبح شبه مفقود بفعل طغيان المادة على الروح، وباستعادة السلام النفسي ويقظة الضمير تنتشر المحبة في القلوب وتتطهر من أثر هذا الطغيان المادي، بيقظة الضمير فقط تحيا الشعوب وتنعم بالسلام النفسي والراحة القلبية.
في هذه الذكرى العظيمة نستلهم روح السيد المسيح عليه السلام والذي كان نموذجا مشرقا للحكمة والزهد والعطاء الروحاني العظيم، نستلهم عزيمته عليه السلام وهو يقتات على الخبز محذرا الناس من لصوص المال العام الذين يكتنزون الذهب والفضة في معابدهم ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا، نستحضر عطاءه الإنساني اللامحدود رغم قصر فترة حياته بين الناس لم يكل ولم يمل من قول الحق ومواجهة الفاسدين في مجتمعه فانتصر عليهم بالحجة والبرهان لأن الله لا يصلح عمل المفسدين.
وفي الختام، أتقدم للجميع بخالص التهنئة والأمنيات الطيبة بقدوم عام ميلادي جديد، داعين الله أن يكون عام خير وسعادة وسلام على البشرية جمعاء، وأخص بالتهنئة صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد، حفظهما الله، وسدد على طريق الحق خطاهما.
وأختم مقالي بـ «موعظة الجبل» للسيد المسيح عليه السلام لتلاميذه: «طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات.
طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون. طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون. طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون.
طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعي السلام، طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة، من أجلي، كاذبين. افرحوا وتهللوا، لأن أجركم عظيم في السماوات».