لا يختلف الوضع السياسي الداخلي في أميركا عن الوضع المناخي الذي مرت به ولاية تكساس منذ أيام وإن كان الوضع المناخي أكثر وضوحا حيث الفيضانات والخسائر الكبيرة التي سببها إعصار هارفي للولاية وبعده عاد الناس يمارسون حياتهم اليومية بعد الإعصار. إلا أن الوضع السياسي لا يزال عاصفا بسبب الخلافات العميقة بين إدارة الرئاسة الأميركية ومؤسساتها الحكومية بل والخلافات بين موظفي البيت الأبيض التي أدت إلى استقالة بعضهم لعدم ارتياحهم من الطريقة التي تدار بها شؤون البيت الأبيض.
ولعل الأمور بدأت تأخذ منحى جديدا من تصاعد الانتقادات الشديدة للرئيس ترامب الذي يبدو أنه غير مستعد للتراجع عن سلوكياته التي لا تليق برئيس دولة عظمى خاصة بعد تصريحاته الضبابية حول تظاهرات «شارلوتسفيل» العنيفة وامتناعه عن توجيه أي انتقاد للجماعات المتطرفة من العنصريين البيض من أمثال كوكلكس كلان والنازيين الجدد الذين اعتدوا في التظاهرة على المعارضين لسياساته وتصرفاته العنصرية، وهو ما دفع السيناتور الديموقراطي ستيف كوهين بعد أحداث «شارلوتسفيل» إلى إعداد مذكرة يطالب فيها الرئيس ترامب بالاستقالة لأنه متعاطف مع هؤلاء العنصريين ولا يحترم الأقليات الأميركية ولا يقيم وزنا للقيم الأميركية وكونه موضع جدال وشقاق مع الحكومة ولا يمتلك مقومات وأخلاقيات الرئاسة إلى جانب حصوله على الأموال من الأجانب.
ما قاله السيناتور الديموقراطي كوهين هو شأن أميركي لكننا نضيف إلى انتقاداته بأن الرئيس ترامب شخصية ابتزازية تحاول الحصول على أموال الآخرين بشكل مباشر، حيث ظهر في لقائه مع أوبرا وينفري في أحد برامجها الحوارية في الثمانينيات وهو يتحدث عن الكويت وقال «ان أفقر شخص في الكويت يعيش حياة الملوك وأنهم لا بد أن يدفعوا 25% من مدخولهم النفطي - وأضاف - هذه نكتة بتهكم»، ومثل هذا الكلام، وللأسف، أكد عليه عندما وجه كلامه لدول الخليج بعد فوزه بالرئاسة من أجل تعويض عجز الموازنة الأميركية، وفاته أن استثمارات الكويت في الولايات المتحدة تصل إلى 400 مليار دولار وأن حجم التبادل التجاري بين الكويت والولايات المتحدة بلغ 6 مليارات دولار حسب إحصائية مايو 2017.
وتعتبر الكويت أحد الأسواق التجارية المهمة للولايات المتحدة، حيث تستورد السيارات الأميركية بمختلف أنواعها وطائرات البوينغ والطائرات الحربية والأسلحة ومختلف البضائع الأميركية، كما أن الكويت تبتعث أبناءها إلى الجامعات الأميركية ناهيك عن الاتفاقيات الأمنية والتعاون العسكري معها. وما نخشاه هو أن تتبدل العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة في عهد الرئاسة الترامبية إلى طبيعة ابتزازية تتعدى أسس ومبادئ العلاقات الدولية والاحترام المتبادل بين الدول مما يزيد من تدني سمعة الولايات المتحدة بين شعوب المنطقة وشعوب العالم.
> > >
بعد مذابح مسلمي البوسنة في أوروبا، ومذابح المسلمين في سورية، تطل علينا في هذه الأيام مذابح مسلمي الروهينجا «أراكان» في بورما على أيدي الجيش البورمي أمام صمت عالمي كالعادة، حيث لم تصدر إدانة مباشرة للحكومة البورمية من قبل الأمم المتحدة واكتفى أمينها العام غوتيريس بالإعراب عن قلقه إزاء أعمال العنف علما بأن مسلمي الروهينجا يتعرضون لعمليات إبادة وتهجير قسري جماعي بمختلف وسائل القوة والترهيب وحرق المنازل التي بثت الأقمار الصناعية صورا حية لها.
والأغرب من ذلك أن رئيسة وزراء بورما سان سوتشي الحائزة جائزة نوبل للسلام صرحت بعد صمت طويل متهمة المسلمين الروهينجا بالإرهابيين جريا على دعاية الإرهاب العالمية. فإذا كان من المستحيل سحب جائزة نوبل منها فلا أقل من إدانتها واعتبارها امرأة لا مصداقية لها في نشر السلام واحترام حقوق الإنسان مع اعتبار جائزتها لا تليق بمثلها.