ذعار الرشيدي
أجمل شيء يمكن أن يحققه أي بني آدم في حياته هو أن يساهم في صناعة التاريخ وهو ما فعله الناخبون أمس الأول عندما ساهموا في صناعة حدث تاريخي لم يتوقعه أحد ولم يكن أحد يتصور أنه يأتي بهذه القوة وهذه الطريقة بسيناريو أقرب إلى سيناريوهات أفلام ألفريد هيتشكوك المشوقة، فكما ان أفلامه كانت تكسر حواجز توقعات المشاهدين في سياقها حدث في مشهدنا السياسي ما كسر جميع حواجز التوقعات الكويتية التي كانت ولأكثر من 40 عاما رهينة المتوقع.
د.معصومة المبارك، د.أسيل العوضي، د.رولا دشتي، د.سلوى الجسار أدخلتهن رغبة الناخبين في التغيير إلى كرسي مجلس الأمة، باستحقاق تاريخي لم يكن أحد يعلم أنه سيأتي يوم 16 مايو 2009، إذ كان أفضل المتفائلين بدخول امرأة واحدة للمجلس لا يتصور أن تقتحمه النساء بهذا الرقم بل إن المحللين السياسيين طرحوا أن المرأة لن تدخل إلا بعد العام 2025 غير أن رغبة الناخبين في التغيير اختصرت الوقت وحققت غير المتوقع وأدخلت 4 نساء دفعة واحدة وحققت مرشحة رقما صعبا في دائرة قبلية وأعني المحامية ذكرى الرشيدي التي وضعت الجميع بما حققته من رقم أمام رسالة واضحة بأن التغيير سيأتي في القريب العاجل في الدائرة الرابعة بعد أن صنعت خيوط فجره رغبة ناخبي الدائرة الرابعة، لم يعد هناك شيء اسمه تحالفات قبلية وما حدث أمس الأول سوى إرهاصات سقوط القبلية والمذهبية والتحزب الأعمى.
كان أكبر الخاسرين على الإطلاق في هذه الانتخابات الحركات الإسلامية بجميع فئاتها بخسارة مبررة أو لنقل خسارة مستحقة، فلم يعد الناخب يقبل بالخطاب السياسي المدموج بالنفس الديني، وفات الحركات الإسلامية أن الخطاب السياسي العقلاني «المدني» أهم 100 مرة من خطاب ديني وأنه لم يعد هناك صراع ديني ـ ليبرالي كما يشيع الإسلاميون والذين جعلوا من هذا الصراع الوهمي طوال سنوات مدخلا لتكسبهم السياسي، في حين ان الصراع حقيقة كان منذ بدء العمل بالدستور صراعا من أجل إقامة دولة مدنية وهو ما انتبه إليه الناخبون ووعوه جيدا وعرفوه وحفظوه غيبا ليقولوا كلمتهم في التغيير الذي عصف بكل تركيبات المجلس المعروفة.
المجلس القادم بتمثيل أكبر للمستقلين وحضور غير متوقع للمرأة وتواضع حضور الحركات الإسلامية وتقلص مساحة تمثيلها إلى رقعة لا تتجاوز الـ 14% مجزأة على مجموعة من الإسلاميين المستقلين الذين يحمل كل منهم أجندة خاصة ستجبرهم على الذهاب إلى خندق التحالف من أجل البقاء السياسي أو على الأقل الحضور السياسي الصعب في مجلس أرى أنه يمثل حقيقة المجتمع الكويتي إلى حد كبير على عكس المجالس السابقة التي كان أغلبها وكأنها نتاج انتخابات في «جزر القمر».
هذا المجلس وبمجرد قراءة سريعة لوجوه أعضائه ستجد أنه سيكمل وبلا أدنى شك السنوات الأربع كاملة لا تزيد ولا تنقص شهرا.
لقد بدأنا ككويتيين صناعة التاريخ وساهمنا فيه ومن حق كل ناخب توجه لمقار الاقتراع وأدلى بصوته أن يفخر بأنه ساهم في هذا التغيير التاريخي الذي سيغير وجه المشهد السياسي الكويتي إلى الأبد.