في عام 1992 أصدر السيدان/ david osborne وted gaebler كتابا بعنوان «reinventing government» (إعادة اختراع الإدارة الحكومية)، وقد رأى الكتاب أن النظم البيروقراطية التي ولدت في عصر الثورة الصناعية لا يمكن لها أن تستمر ولا يجب على الإدارة الحكومية الواعية أن تنصاع للقيود التي تفرضها هذه العقلية الضائعة، حيث إنه في عصر النهضة التكنولوجية أصبح النجاح الإداري يعتمد على تحقيق الكفاءة التشغيلية ومعايير الجودة وخدمة العميل، وهي عناصر لا تستقيم مع النظم البيروقراطية! وبالتالي فإن الكتّاب طالبوا بمحاربة والتخلص من العقلية البيروقراطية العقيمة واستبدالها بعقلية العمل الحر في سياق تأسيس the entrepreneurial government أو بالعربي «حكومة العمل الحر» وهي التي تركز عملها على تحقيق النتائج واتباع اللامركزية في اتخاذ القرارات وتشجيع العملية التنافسية في داخل القطاعات الحكومية وخارجها، تلزم هذه العقلية الإدارة الحكومية بالنظر الى المواطن كعميل له حق توافر الاختيارات والحصول على الجودة التي يريدها سواء كان في سياق الرعاية الطبية أو التعليم أو السكن... إلخ.
أين نحن من هذه العقلية وهذا الطرح؟
طبعا الكويت ولله الحمد أفضل بكثير من العديد من الدول الأخرى سواء في المنطقة أو العالم من حيث واقع الحال، فقد أنعم الله على هذا الوطن ومن فيه بوفرة الإمكانات المالية التي حتى الآن تسمح لنظامنا البيروقراطي بتوفير الاختيارات والى حد ما الجودة المقبولة للمواطن، ولكن لاتزال القطاعات الحكومية ضحية لهذه العقلية البيروقراطية المتأصلة فينا نحن المواطنين وهي السبب الأساسي في انعدام الكفاءة وانحسار الإنجازات وضياع الهوية!
كما أن قدرتنا على الاستمرار في توفير هذه الاختيارات مؤقتة ومرتبطة بتوافر الإمكانات المالية التي بدورها تعتمد على مخزون الكويت من النفط وهو مورد ناضب لا محالة من ذلك!
لضمان الاستمرارية يجب علينا أن نعيد برمجة العقلية الكويتية لنبذ البيروقراطية واحتضان روح العمل الحر، ففي هذا الاختيار البسيط مفتاح ضمان استمرارية رغد العيش وكرامة المواطن على المدى البعيد وفك ارتباط مصير هذا البلد بالنفط، ولكن «الموضوع ما هو سهل» ويتطلب استحداث تغييرات جذرية على المستويات التالية:
1- الإدارة الحكومية: يجب على أجهزة الدولة تبني نظام عمل يعتمد على خدمة المواطن، حيث تتم تلبية طلبات «الزبون» بشكل مهني وخلق قيمة مضافة لهذه الأجهزة الحكومية.
2- الخدمة العامة: التركيز على تنمية روح الفريق الواحد والمصير المشترك والتي تبدأ عن طريق الحث على انخراط الجميع «كبارا وصغارا» في توفير خدمات عامة من غير مقابل وليس بهدف التكسب المادي.
3- المواطنة البناءة: ترتكز على مبدأ المسؤولية المشتركة التي تلزم جميع المواطنين بالحفاظ على النظام العام عن طريق الالتزام الشخصي بالسلوكيات والأدبيات التي تنطبق مع هويتنا الكويتية وتاريخ هذا البلد.
قد يرى البعض أن هذه الأفكار «ساذجة وبعيدة المنال»، ولكن هل تفقد السذاجة وبعد المنال هذه الأفكار من جوهرها وأهميتها؟ ببساطة... لا!
عزيزي القارئ لقد حان الآن دورنا لرد الجميل لهذا الوطن المعطاء فعلينا عمل كل ما في وسعنا لبناء كويت المستقبل لتدوم على أسس الكفاءة والميزة التنافسية وخلق القيمة المضافة... قبل أن ينضب ما في مخزوننا من «سذاجة»!
وفي النهاية،،،
دعوة من آيديليتي للتحلي ببعض السذاجة!
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع : www.idealiti.com
follow us on twitter:@idealiti
* زاوية أسبوعية هادفة تقدمها كل اثنين شركة آيديليتي للاستشارات في إطار تشجيعها على إنشاء وتطوير واحتضان ورعاية المشاريع التجارية المجدية واقتناص الفرص أو معالجة القصور في الأسواق.
واقرأ ايضاً:
مقالة سابقة بعنوان: مترو «الأحلام»
مقالة سابقة بعنوان «مراكز التكلفة»
مقالة سابقة بعنوان: «حوار» الأدراج
مقالة سابقة بعنوان: عشوائية «التعليم»
مقالة سابقة بعنوان: «لجنة» ولو جبر خاطر
مقالة سابقة بعنوان «الديموقراطية والقرار»
مقالة سابقة بعنوان ثقافة «الاستقالة»
مقالة سابقة بعنوان «شكراً..»
مقالة سابقة بعنوان «إفساد الفرد»
مقالة سابقة بعنوان «الإدارة الذكية... »