كثيرة هي المواقف التي نمر بها والتي قد تكون نهاياتها ليست كما تروق لنا فنتمنى لو يعود بنا الزمن إلى الوراء لنتخذ الطريق الصحيح أو على الأقل يبقى الوضع على ما هو عليه على أن تكون العواقب أخف وطأ مما هي عليه وتكون بمنزلة فرصة ثانية.
لا أعرف كم مضت من السنين على تلك الحكاية مع صديق عزيز علي وهو مميز في عمله ويعتبر من النخبة ومن المشهود لهم لدى الجميع لتميزه العلمي والأخلاقي ولكن كما يقال «الحلو ما يكملش» فهو مدخن شره لا تكاد السجائر تفارق فاه كلما سنحت له أي فرصة، واستمر على هذا المنوال واتخذه روتينا يوميا! إلى أن اشتد به الحال وأصبح السعال رفيقه الدائم مما اضطرنا إلى اجراء كل الفحوصات التي على اثرها تبين السبب وهو وجود ورم في الرئة مريب الهيئة والخواص، ولأنه صديق لم نجد مناص إلا لإخباره في لحظتها بأن الأمور لا تبدو أنها تسلك الطريق الجيد والورم يبدو بلا شك فيه أنه من النوع غير الحميد! طبعا الصدمة قد اصابتنا بمقتل قبل أن تصعقه!
وكانت الخطوة القادمة هي أخذ عينه على أثرها يتم تحديد خطوة العلاج الأفضل له سواء الكيميائي أو الإشعاعي، وبالفعل تم أخذ العينة وإلى أن تظهر النتيجة شبه المحسومة مسبقا، أخذ صديقنا يعد العدة للرحيل فأطلق اللحية وطلق التدخين طلاقا بائنا، ومر به شريط حياته بما فيه من فرح وترح وود لو أكثر من ذلك الشيء أو لم يقم بذاك وقطعا أكثر ما ندم عليه هو التدخين الذي قطع عليه الطريق في منتصفه نحو النجاح.
وكان اليوم المشهود وهو يوم ظهور النتيجة، نتيجة العينة التي قلبت حال الرجل وأصبح لحما على عظم وفقد الإحساس بلذات الحياة، فما أقساها عندما تجبرك على التبكم حين تكون ردة الفعل الطبيعية هي الضحك، وما أحقرها عندما تود الحزن على أمر ما ولكنك لا تقدر لأن ما تشكو منه أكبر مما يطيقه غلاظ الرجال وأشدهم صلابة، ولكنه عندما كانت تفصله ثوان لمعرفة النتيجة انعدمت كل الأحاسيس ليبدو مومياء بلا روح.
وكانت الصدمة ولكنها من النوع المحمود هذه المرة عندما كانت نتيجة العينة تظهر وجود التهاب فطري بسيط على الرغم أن شكله لم يكن يوحي بذلك على الإطلاق وطبعا العلاج لا يتعدى بعض الأقراص المضادة للفطريات والبكتريا لأسبوع أو نحو ذلك ويكون الشفاء كليا ان شاء الله.
لم يكن صديقنا أو نحن على أقل تقدير مأهلين لاستقبال مثل هذا الخبر الذي هو في حقيقة الأمر أقرب إلى الخيال، فعادت في تلك اللحظة أوردة الحياة لتضخ ما في جعبتها من دماء جديدة مليئة بالأمل لتصلح ما دمرته الأيام القليلة الماضية.
ولم يمر على صاحبنا إلا أسبوع واحد إلى أن رأيته في أروقة الوزارات الخارجية (يتسجر) أي يدخن فبادرته ألا تفكر في الإقلاع عن التدخين بعد كل ما حصل؟ فقال ولم أفعل؟ فأنا أدخن طوال تلك السنين ولم يصبن شيء وأنا تعودت عليها ومن الصعب أن أفارقها، بل ذهب إلى أكثر من ذلك حين استكمل حديثه بأن هناك أناسا كثيرين غير مدخنين يموتون كل يوم في عمر مبكر، فالمسألة قضاء وقدر! وتناسى صاحبنا كل ما لاقاه من أفكار مأساوية في تلك الفترة.
يا ترى كم في حياتنا مثل تلك المشاكل التي قد تودي بحياتنا أو حياة من حولنا ونود الحصول على ربع فرصة حيث نقول: اللهم انا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه، والعجيب أنه عندما يرد كل القضاء بمعجزة لا نعتبر مما حصل ونرجع إلى حيث بدأنا، فأبسط ما يمكننا القيام به هو الابتعاد عن المغامرة وخاصة إذا كانت الخسارة لا تعوض لأن الفرصة الثانية لا تتوافر في معظم الأحيان.
زهيري
يا بخت من لقى له صديق زين ولافاه
ما يطلع العيب من فعله ولا فاه
حافظ العشرة ولسرك ولا فاه
هذا الرفيج اللي ما ينعدل بالمال وأثمانه
[email protected]