وضع الباري عز وجل للكون نواميس وقوانين يسير عليها ومنها مبدأ «كما تدين تدان» فيأكل المجرم السوء بنفس الملعقة التي أطعم هو بها غيره، ومنها «على الباغي تدور الدوائر» فمن كاد للآخرين وسعى لأذيتهم فلابد ان يأتيه يوم ليذوق هو نفس تلك الأفعال المؤذية، ومنها أيضا أنه مهما أضمر الإنسان شيئا فلابد ان يظهر في فلتات لسانه أو في حالة غياب إرادته فيفضح نفسه وفعله، كما قد يخفي امرؤ حقا ويغطي عليه لكنه في النهاية يظهر وبشكل صارخ، كما حصل مع حديث الغدير الذي حاولت حكومات الأمويين والعباسيين ومن على شاكلتهم طمسه لكن الله أظهره كالشمس.
وقد يحصل ان يوقف الخالق الحكيم تبارك وتعالى تلك النواميس لمصلحة هو يراها، لكن ما نشهده في حياتنا هو نفاذ تلك السنن الكونية، والتاريخ شاهد على ذلك، فكم من أناس عاثوا في الأرض فسادا وإذا بالحال ينقلب عليهم ويصبحون هم في خانة المقهورين أو المحرومين، وفي كويتنا الغالية أمثلة عديدة لسريان هذه السنن، فمن مارس الظلم والتعدي أضحى أمره أن يكون هو الضحية المتعدى عليه (من وجهة نظره طبعا وإلا فهذا جزاؤه) وفقد كل ما كان يتمتع ويتميز به.
السنن الكونية وتطبيقاتها في الحقيقة أكبر مؤدب للإنسان ومرب له إن أحسن المرء التفكر فيها والانتباه لها فلم يوجدها رب السماوات والأرض لمجرد تسيير الكون بل أيضا لتحذير وتنبيه الإنسان، فنجد الخالق الحكيم يوجه الإنسان للنظر في الكون ولاستيعاب حوادث التاريخ، لكن الإنسان الذي حمل الأمانة لم يكن ليريد ان يؤدي حقها كاملا فكان لزاما لطفيا من الباري ان يجعل لعقله (الإنسان) محفزات ولفكره منشطات ولسلوكه محذرات فكانت تلك السنن، ولذا نجد القرآن الكريم يرسل الناس ليتفكروا في خلق السماوات والأرض بما فيها من مظاهر طبيعية وقوانين جارية نافذة ونظم موضوعة لا يمكن تجاوزها واستسلام قهري وطاعة عمياء لما رسمه الخالق وحدده.
فهل نتعظ نحن؟ وهل نخضع لتلك السنن أم نتمرد عليها؟
[email protected]