جمعتني جلسة عائلية مع بعض من لديهم أطفال بالمرحلة الابتدائية وتحديدا بالصفين الاول والثالث الابتدائي فبدأوا بالحديث عن معاناتهم في تدريس أبنائهم، فقال أبو الصف الاول الابتدائي انهم يريدون الطالب ان يعرف الأشكال الهندسية وأسماءها، بل ان يعرفوا معنى المثلت وكيفية تكوين المربع من المكعب وكذلك الدائرة من الأسطوانة ويريدون التلميذ ان يعرف الثلث ومعنى الثلثين وهكذا، فقلت له طبعا يريدون أن يخرجوا اينشتاين كويتيا منذ الصف الأول الابتدائي، فقال الأب وهو بالمناسبة خريج إحصاء من كلية العلوم انني لم أدرس هذه إلا بالمتوسطة وأعاني كثيرا لأجعل ابني يذكر ويعرف ويفهم كل تلك التفاصيل ولست اعرف كيف أساعده على ذلك.
أما والد التلميذ بالصف الثالث الابتدائي فنقل معاناة أخرى تتمثل في تحديد الكويت بالنسبة للقارات والوطن العربي حيث يقع وسط الشرق لاحدها وأقصى الشرق للأخرى، ثم المطلوب منه ان يعرف كيف تأسست الكويت وكيف انتقل آل الصباح وقطنوا الكويت ومسيرتهم الحياتية ومن أسس الكويت ومن هو ابو الدستور، فقلت له وما الضير في ذلك فوزارة التربية تريد تخريج أناس ينافسون احمد الخطيب في فهمه للتاريخ؟ فقال الأب: ترى هل يعي التلميذ بهذه السن المبكرة معنى ابو الدستور مثلا؟
المشكلة ان عباقرة مناهج التربية يتصورون ان تطوير المناهج وتحديثها يمكن ويتحدد في تحريك المعلومة من مستوى أعلى الى مستوى أقل وان كان المستوى غير مؤهل خلقيا من رب العالمين لدرجة تعقد تلك المعلومة، انهم يتناسون قدرات الافراد على معرفة تذكر وفهم تلك المفاهيم الجبارة ويتغافلون عن ان تطوير المناهج يعني بالدرجة الاولى ليس فقط محتوى المقررات، بل طرق تعلمها وأيضا أساليب تقويمها.
تصر وزارة التربية على صم أذنيها عن كثير من الأصوات التي تطالب بتعديل هذين الجانبين أولا قبل تعديل المعلومة، بل تعمد الوزارة الى اثقال كاهل الطالب والاسرة بكم هائل من الامتحانات بس نظرة قاصرة متخلفة لمفهوم التقويم المستمر وكيفيته.
فما ان ينتهي امتحان حتى يبدأ آخر لنفس المادة، لقد كره تلامذتنا المدرس بسبب هذا التخف الفكري لدى وزارة التربية وأصبحت البيوت ساحات صراع بين الآباء والأبناء لإجبارهم على المذاكرة العقيمة والمراجعة لمعلومات متحجرة ليس اقل منها تحجرا عقليات في وزارة التربية، انهم بهذا يجنون على التربية والتعليم وحب التعلم وبالتالي يساعدون على التسرب التعليمي والهدر التربوي بسبب إصرارهم على أفكار بالية وضعها العالم في متاحف التاريخ، فمن لنا بمن يضع عقول وزارة التربية في متاحف التخلف ويخلص الجيل الجديد والنشء وفوق ذلك المجتمع من تلك النظريات البائدة، ولا ننسى هنا لجوء الوزارة الى توظيف معلمين قدموا للكويت بهدف جمع اكبر قدر ممكن من الأموال بأي طريقة كانت فكان التعليم آخر اهتماماتهم، ورحم الله أيام ثانوية الشويخ وعبد الله السالم حين كان المعلمون الوافدون يتحرقون لإدخال المعلومة الجافة الى عقول طلابهم وكانوا يداومون صباحا ومساء متطوعين لتقوية طلبتهم في موادهم، لقد كانت قلوبهم على الكويت حقا. لكن يبدو ان وزارة التربية قد عقدت العزم على تنفيع المدارس الأجنبية عن طريق إجبار الأهالي على نقل أبنائهم إليها لما لديها من برامج تعليمية حديثة تراعي قدرات وإمكانيات الطلبة.
[email protected]