أوردنا في مقالنا السابق المعنون بـ «الرشد في تطبيق الشريعة» الحجج المقنعة لأولي الألباب لتصبح الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي الملزم للتشريع وعرضنا لأمثلة عن بعض المؤسسات والتشريعات القائمة وفق الشريعة وذكرنا عدة أمور تدفع للتعديل الدستوري ومنها الشرعية والواقعية والبر والصلة، وختمنا بعدم الإصغاء لمرضى القلوب، فأحكام الإسلام صالحة لكل زمان ومكان.
أما اليوم فنعرض لأمرين قانونيين مطبقين يدعمان الحجج الدافعة للتعديل المأمول، فهناك الإحالة وتكون إلى نص معين في تشريع آخر والإسناد ولا يكون عادة إلى نص بل إلى تشريع آخر بمعنى أنه إحالة كبرى وسيتضح الأمر أكثر بالتفصيل التالي: الأول الإحالة الخارجية في تشريع قائم، ويقصد بها الإحالة إلى نصوص في تشريع آخر أيا كانت درجته (أ.محمود صبرة، أصول الصياغة القانونية) ومن أمثلة ذلك النص التالي الذي يرد في بعض القوانين وبعض اللوائح «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد في أي قانون آخر يعاقب مرتكب هذه الأفعال..». او النص «مع مراعاة نص المادة... في القانون رقم.. يجب على..» او العبارة الدارجة «يلغى كل نص يتعارض مع هذا القانون» وهذه نماذج لإحالات خارجية من تشريع الى نص في تشريع آخر ليطبق أو يراعى أو لا يخالف ممن ينفذون القانون من موظفين او ممن يطبقونه من قضاة.
الثاني ـ الإسناد التشريعي على أحكام الشريعة الإسلامية ويقصد بقاعدة الإسناد بيان المشرع في قانون معين صراحة التشريع الذي يراد تطبيقه على واقعة او وقائع تحدد أركانها، بمعنى أن ينص صراحة على المرجع الذي يطبق على حالات يحدد كنهها.
وهناك عدة تشريعات كويتية قائمة وسارية متضمنة الإسناد على أحكام الشريعة الإسلامية تحتم الرجوع إليها وسنلاحظ أن ذلك منهج وفلسفة للدولة بتشريعاتها ومنها: أولا ـ نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني رقم 67 لسنة 1980 تنص على أنه «فإن لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي وفقا لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقا مع واقع البلاد ومصالحها وإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف».
ويجدر التنبيه إلى أن المذكرة التفسيرية للدستور الملزمة بينت أن الفقه الإسلامي هو المقصود بالشريعة الإسلامية الوارد ذكرها بنص المادة الثانية من الدستور، ويقول أحد الفقهاء انه يقصد بأحكام الفقه الإسلامي الأحكام والقواعد الفقهية المأخوذة من الشريعة الإسلامية، والتي تتعلق بتنظيم شؤون البلاد والعباد، وتتميز أحكام الشريعة الإسلامية بالشمول والثبات (د.نبيل محمد صبيح).
ثانيا ـ ومن التشريعات أيضا نص المادة 343 من قانون الأحوال الشخصية رقم 51 لسنة 1984 فتنص على أن «كل ما لم يرد له حكم في هذا القانون يرجع فيه الى المشهور في مذهب الإمام مالك فإن لم يوجد المشهور طبق غيره، فإن لم يوجد حكم أصلا طبقت المبادئ العامة في المذهب».
ثالثا ـ ومن اللوائح المتضمنة للإسناد التشريعي على الشريعة الإسلامية المادة السادسة من لائحة المسالخ الصادرة بقرار وزير البلدية رقم 111 لسنة 2006 تنص على أن «يتم الذبح وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وعلى المناحر في الصالات المخصصة...» والأمر كذلك نجده في المادة الثانية من لائحة المقابر الصادرة بقرار وزير البلدية رقم 72 لسنة 2006 التي تنص على أنه «لا يجوز إجراء إضافات على المقابر بشكل لا يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية...»، وتنص المادة السادسة منه على أنه «يجب الالتزام بآداب الشريعة الإسلامية والتقيد بأحكامها والمحافظة على حرمة المقابر».
وهذه التشريعات مطبقة وسارية وغيرها كثير لم نحصه ومنتهى ما نريد بيانه منها أن هذه النصوص القانونية واللائحية قامت على أحكام الشريعة الإسلامية ولم توجد أي عراقيل او موانع بل كان العمل مع الفقه الإسلامي أرحب والمجال أوسع ليطبق على الواقعة ما هو مجمع عليه شرعا وإن لم يكن فيطبق الأكثر اتفاقا مع واقع البلاد ومصالحها، وهذا الضابط الأخير قد تكرر النص عليه في المادة سالفة الذكر من القانون المدني وفي مرسوم إنشاء لجنة استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية وهو ما يمهد لمبادئ شرعية واضحة منضبطة للتنفيذ والتطبيق.
يبقى العلم أن فساد الدستور او غيره لا يأتي من تعديله لتكون الشريعة الإسلامية ملزمة تشريعا وتطبيقا على النحو المذكور بل الفساد باتباع هوى النفس وجعل الدنيا أكبر الهم ومنتهى المقصد ونسيان قول الله تعالى (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين- القصص: 77).
[email protected]