مع مطلع العام 1973م جاهر وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر «وهو من يهود ألمانيا المهاجرين إلى أميركا والمتجنسين بجنسيتها» بمناوأته للحق المصري، في مقابل وقوفه بجانب الغطرسة الإسرائيلية. فكان أن علمت مصر أن طبول الحرب لابد وأن تدق، فهيأت للأمر عدته، وكان من أهم ما أعدته للحرب أن صدرت مصر لإسرائيل والعالم الغربي عملية سياسية عسكرية على أعلى مستوى من الخداع الإستراتيجي والتمويه والمراوغة، جعلت العالم كله مشدوها مبهورا حين اندلعت الحرب في السادس من أكتوبر 1973م. فإسرائيل لم يخطر ببالها أن الرئيس السادات قادر على اتخاذ قرار الحرب، خصوصا أنه تكلم كثيرا ولم يفعل شيئا في العام 1971م الذي سماه السادات بـ «عام الحسم». على أن الجيش المصري كان في شغل شاغل للتجهيز للمعركة، ومن إمعانه في عملية المراوغة قام ببناء مصاطب للدبابات على الضفة الشرقية للقناة، وزيادة في التمويه جعلها على هيئة أهرامات ترابية، مما حدا بوزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان إلى أن يقول: «إن المصريين مغرمين ببناء الأهرامات». وبالاستعانة بعلماء الأرصاد وعلماء البحر في الجامعات المصرية، وصلوا إلى أنسب التوقيتات للهجوم والعبور، من خلال أفضل ساعات الليل في الإظلام وساعات ضوء القمر.
ثم درسوا جميع العطلات الرسمية في إسرائيل، ومعرفة تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة في إسرائيل، فوجدوا أن يوم عيد الغفران «يوم كيبور» هو أنسب توقيت للحرب، فهو يصادف يوم السبت، وفيه تتوقف الإذاعة والتلفزيون عن البث، بمعنى أن أي استدعاء لقوات الاحتياطي بالطريقة العلنية السريعة لن يستخدم. واستغل المصريون مواسم الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في 28 أكتوبر 1973م. كما كانت القيادات العسكرية المصرية تستدعي احتياطي الجيش ثم تسرحهم، وتكرر ذلك مرات عدة، بحجة اختبار خطة استدعاء الاحتياطي. وعلى المستوى الإعلامي نشرت الصحف في مصر وبث تلفزيونها وإذاعتها أخبارا مضللة للعدو الإسرائيلي، مثل موافقة وزير الحربية للضباط على أداء عمرة رمضان يوم 7 و8 أكتوبر، كما نشرت أن يوم 8 أكتوبر تم تحديده لاستقبال وزير الدفاع الروماني الذي سيزور مصر في هذه الفترة.
وكانت وكالات الاستخبارات في إسرائيل وأميركا كلها متفقة على أن هجوما مصريا بعيد الاحتمال، وكل ما هنالك مناورات عسكرية ليس أكثر، وهو ما أكده رئيس الاستخبارات الإسرائيلية إيلي زعيرا في مذكراته. حتى كيسنجر انخدع وقال قبل الحرب: «إن كل تقارير مخابراتنا ومخابرات الدول الأجنبية، ترى أنه ليس هناك احتمال نشوب حرب». ولكن الأخبار جاءته بأن هجوما مصريا كاسحا ناجحا قد حدث في 6 أكتوبر، ففزع وهب قائما، وهو يصور فزعه في مذكراته بفصل سماه «استيقاظ مزعج»، والذي قال فيه: «كيف يحدث ذلك وأجهزة استخباراتنا لم تجد أي مؤشر لهجوم مصري مخطط له خلال القناة؟ لقد فاجأتنا الحرب على نحو لم نتوقعه، ولم تحذرنا منه أي دولة أجنبية». وجاء في تقرير ميدلتون الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط: «ثبت أن المصريين قادرون على الإبقاء على السر».
sultanasqah@