تطل على أوطاننا، في تلك الأيام، ذكرى ما سمي بـ «ثورات الربيع العربي»، بعد أن مر عليها سنوات خمس.
وحق لنا أن نتساءل، بعد كل حوادث ذاك الذي سمي ربيعا، من سماه ربيعا؟.
لك أن تستوقف أي نوع من البشر على قارعة الطريق، إن كان من أذكى الناس أو أكثرهم حمقا، واسأله عن معنى الربيع؟ ستجد الاثنين «الذكي والأحمق» يأتيانك بإجابة واحدة مؤداها: هو كل شيء بديع يثير في النفس البهجة.
وابحث عن معنى كلمة «الربيع» في المعاجم والقواميس، ستجد الإجابة ذاتها، ففي «لسان العرب» يعرف الربيع بأنه زمان الورد والخصوبة والغيث، وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي»، جعله ربيعا له، لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه، فمن ذا الذي خبط قومنا على رؤوسهم ليظنوا أن الربيع شيء آخر؟! إنه دماء، وأشلاء، ودمار، واختلال أمن، وتشرد وافتراق شمل، ومن أين جاء هذا الفهم المقلوب لمسلمات من المعاني لا تقبل لها معنى غير الذي ولدت به؟.
وبالبحث التاريخي، تجد أن ثمة ثورات هاجت في هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا، هن أخوات لثورتنا التي ولدت في أرضنا، فسماها «الذين هناك» باسم «الربيع»، فسمت أميركا ثورة هنغاريا على السوفييت مطلع 1956م باسم «ربيع بودابست»، وسمت أميركا ثورة تشيكوسلوفاكيا على السوفييت مطلع 1968م باسم «ربيع براغ»، ذلك أن الثورتين كانتا ربيعا حقيقيا لأميركا وغرب أوروبا، إذ أخذ عدوهم السوفييتي يضعف ويتراجع، لولا أن تدارك وقمع الثورتين.
إذن لا بأس بدماء الأبرياء من أن تسفك، ولا ضرر في ضياع الأمن والتشرد لشعوب البلدين، مادامت مصلحة غرب أوروبا وأميركا متحققة.
وقس على ذلك الهيجان الذي اندلع في يناير 2011م، فاختلط حابله بنابله في تونس ومصر، ثم انتشرت عدوى الهياج بشكل أعدى من الجرب في ليبيا واليمن وسورية، والذين باتوا اليوم بين حاذف وقاذف.
فجاءت إحصائيات القتلى بشكل تجاوز المعقول من الأرقام، وظهرت مناظر تناثر الأشلاء والدماء المسفوكة على هيئة أثارت في النفوس رعبا وحيرة، فمن سماه ربيعا؟.
لا يكون ربيعا إلا لعدو رضي واستفاد بما حل بنا من المآسي، وليعلم أن عدونا، الذي هو أختل من الذئب وأروغ من الثعلب، هو المستفيد من تلك الفوضى التي حلت بأوطاننا، والذي وجد في انشغال المحيط به من الدول ما يضمن له أمنه واستقراره.
فهذا وزير خارجية أميركا الأسبق كيسنجر يقول عن الربيع العربي: «لقد اختفت أنظمة تحكم أكثر من مئة مليون عربي، وأصبحت خارطة الشرق الأوسط اليوم بها العديد من الثقوب في انتظار كيف ومن سيملؤها».
ويقول أيضا: «هي فرصة لأميركا أن تعبث بالمنطقة دون وجود أي قوة إقليمية تقف أمامها»، وهذا إيغال كرمون ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق، يسأل عما استفادته دولته من ثورات الربيع العربي، فقال: «إن الربيع العربي قد قلل المخاطر على الدولة اليهودية»، هذا هو الربيع الذي يعنيه «الذين هناك»، وحسبك من شر سماعه.
فلا يغررك مدح الخداعين والمنخدعين من أبنائنا «الذين هنا» لتلك الفوضى، وتبعتهم للعدو بوصفهم لها بـ«الربيع»، فإنه لا يسميه، من بني جلدتنا، بذاك، إلا ويكون أحمق من ماضغ الماء.
dr_sultanasqah@