ما كان الخط الذي أنشأه حاييم بارليف رئيس أركان الكيان الصهيوني (الإسرائيلي) والذي سمي بـ «خط بارليف»، إلا سلسلة من التحصينات الدفاعية، الممتدة على هيئة ساتر ترابي بارتفاع يبلغ 22 مترا، ويسير على طول الضفة الشرقية لقناة السويس التي احتلتها إسرائيل حين استولت على شبه جزيرة سيناء، بعيد حرب الأيام الستة يونيو 1967م، وقناة السويس (من الناحية العسكرية) من أصعب المضائق المائية في العالم. وقد أضافت إسرائيل مواسير نابالم لتحول سطح الماء إلى نيران لا تنطفئ فيما لو اخترق. كان خط بارليف فخر تكتيك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الذي تباهت به وتفاخرت مرارا أنه لا يمكن اختراقه، خصوصا من قبل الجيش المصري الذي تلقى ضربة قاسية في حرب 1967م.
كان حاييم بارليف هذا يصرح في 5 فبراير 1971م لوكالة الأنباء الفرنسية قائلا: «ليست لدى المصريين أدنى فرصة للنجاح، إذا هم حاولوا عبور القناة والاصطدام بالخط». وكان موشي ديان فيلسوف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يعلن في 22 نوفمبر 1969م بمؤتمر صحافي قائلا: «إن خط بارليف منيع، مستحيل اختراقه، إننا أقوياء لدرجة تكفي لكي نحتفظ به إلى الأبد، وأي عملية عبور مصرية، إذا حدثت، ستلقى الرد الحاسم، ولن تؤثر على قبضة إسرائيل الحازمة على خط بارليف»، وديان نفسه قد صرح في 18 نوفمبر 1970م أمام الكنيست الإسرائيلي بأنه «إذا فضل المصريون استخدام القوة وعبور قناة السويس، فإنني أعلن أن قواتهم ستتحول إلى رماد»، وفي 26 مايو 1971م أذاعت وكالة أسوشيتدبرس العالمية تصريحا أدلى به موشي ديان قائلا: «إذا حاول المصريون الإقدام على مخاطر عبور بارليف، فإن هزيمة دموية في انتظارهم، وحتى أصدقاؤهم يعلمون أنهم لم يصلوا إلى مستوى القتال الإسرائيلي»، وفي 19 سبتمبر 1971م أذاعت الوكالة الفرنسية برقية لوزير الدفاع الإسرائيلي قوله: «إذا حاولت مصر عبور القناة، فسوف تتم إبادة قواتها، وسيواجه الجيش المصري كارثة مؤكدة»، وكانت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير تصرح قبيل حرب أكتوبر 1973م بثقة وعنفوان قائلة: «إذا كان السادات عاجزا عن الحرب، وإذا كان يعلم تماما أن الهزيمة الساحقة المنكرة هي النتيجة المحتومة، فلماذا لا يقبل المفاوضة مع إسرائيل»، وديان أيضا كان يرى ما تراه غولدا مائير، فكان يؤكد دائما، قبيل السادس من أكتوبر 1973م وفي كل مناسبة أن «مصر لن تحارب قبل عشر سنوات إن هي فكرت في الحرب فعلا»، وكان يقول: «إن الجبهة المصرية لا تستحق من جهد جيش إسرائيل أكثر من ستين دقيقة».
ولكن ما حصل في 6 أكتوبر 1973م قلب الموازين في إسرائيل، فقد عبر المصريون خط بارليف المنيع الذي انهار بعد ست ساعات من الضربات التي كالها له المقاتل المصري الشجاع. وجاءت مع العبور الضربة الجوية المصرية الأولى في ذاك اليوم، والتي سميت بـ«الضربة صدام»، وهي التي قام بها القائد الطيار محمد حسني مبارك (الذي أصبح رئيسا لمصر فيما بعد)، فأظهرت مصر ملحمة رائعة في القتال البحري والبري والجوي، قلبت كل التوقعات الإسرائيلية التي كانت تتوهم عجز الجيش المصري عن القتال. فأضحى قادة إسرائيل في وجوم وشده، فهذه غولدا مائير تقول: «لقد أصابهم الجنون - تقصد المصريين الذين عبروا خط بارليف»، ولكنها تعترف في مذكراتها قائلة: «إن الصدمة لم تكن في الطريقة التي ابتدأت فيها الحرب فحسب، ولكن أيضا في حقيقة أن عددا من افتراضاتنا الأساسية قد ثبت خطؤها»، ويجلس موشي ديان أثناء حرب أكتوبر 1973م في مؤتمر صحافي والأسى يملأ وجهه، وهو يعلن سقوط خط بارليف أعتى خطوط الدفاع في العالم تحت أقدام الجندي العربي. وهو يعترف في مذكراته بأن «يوم 6 أكتوبر 1973م كان يوما شاقا علينا، فقد خسرنا كثيرا من الرجال، وفقدنا أراضي ومواقع غالية القيمة»، ويقول مبهورا من عبور الجيش المصر للقناة: «تابع المصريون القصف مباشرة بعبور القناة على طولها، فأقاموا الجسور واستخدموا الزوارق المطاطية، بل إن بعضهم عبر القناة سباحة». ويتساءل ديان: «ما الذي حدث؟ هل أخطأنا في تخطيطاتنا أم التنفيذ؟».
هكذا تسبب المصريون في إرباك الموقف الإسرائيلي، وأجبر العالم على الإعجاب بعبوره ذاك اليوم. فكان حقا له أن يحتفل كل عام بذاك الانتصار الذي تحقق.