نكمل في هذا المقال تقييمنا لأسباب انهيار العمل البلدي في الكويت، ثم كيف نعيد اختراع البلدية.
4 - مجالس البلديات على مختلف أدوارها منذ عدة سنوات لم تضع تصورا واضحا لتطوير البلدية، ودورها المهم في تنمية الاقتصاد الكويتي وتطوير خدماته، وكان المطلوب أن تكون لنا رؤية وإستراتيجية جديدة للعمل البلدي تنطلق من الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في ذلك، وأيضا انطلاقا من رؤية صاحب السمو الأمير لتحويل الكويت إلى مركز مالي وإداري وتجاري عالمي، ويجب على البلدية ألا تكتفي هنا بالمخططات الهيكلية التي تمثل الجانب الفني فقط، بل يجب اعتماد إستراتيجية تطوير شاملة للجهاز الإداري للبلدية، ويمكن للمجلس البلدي أو وزير البلدية أن يقفز قليلا على الأنظمة البيروقراطية وأن يستعين بمستشارين متخصصين في ذلك سواء من الكفاءات الوطنية أو الخارجية.
5 - مداخلات مجلس الأمة في إصلاح البلدية جميعها تدخل في زاوية إضعاف سلطات البلدية وتهميش دورها بدلا من إصلاحها وتطوير دورها في الإصلاح الاقتصادي، ونشعر بأن هناك خوفا من أن يأخذ المجلس البلدي شيئا من صلاحيات مجلس الأمة، وهذا ولا شك وهم لأن دور السلطات التشريعية يختلف تماما عن دور المجالس البلدية التي دورها فني وإداري بالدرجة الأولى وليس تشريعيا.
6 - غياب الدور الاقتصادي للبلدية فأغلب البلديات في دول العالم وأيضا دول الخليج وخاصة دبي، يكون للبلدية دائرة اقتصادية تقرر دور البلدية الاقتصادي، ونحن في الكويت هذا الدور مغيب جدا، ويفضل أن يوضح دور البلدية الاقتصادي خاصة مع توجه صاحب السمو الأمير لجعل الكويت مركزا ماليا وتجاريا عالميا، وهذه الرؤية معنية بالبلدية بشكل كبير، فيجب هنا بناء آلية تنفيذ واضحة لتطبيق هذه الرؤية من زاوية العمل البلدي.
كيف نعيد اختراع البلدية؟
إعادة اختراع البلدية وإعادة تعريف دورها أصبح أمرا ضروريا وحتميا في حالة رغبتنا في تطوير الاقتصاد الكويتي وتطوير المدينة الكويتية لتلعب دورا اقتصاديا رئيسيا في بلدنا الحبيب ولعل من أهم هذه الأمور ما يلي:
أولا: هناك مقولات كثيرة في الكويت بسبب معاناة كثير من المواطنين ورجال الأعمال في معاملاتهم مع البلدية تدعو إلى توزيع مهام البلدية على جهات أخرى في البلد وتخفيف دورها الإداري وهذا في الواقع مخالف للأنظمة الإدارية الحديثة، فدول العالم أجمع تلعب البلدية دورا رئيسيا في بناء مدنها وتطوير اقتصاداتها.
فلنأخذ على سبيل المثال بلدية مدينة لوس انجيليس في أميركا وكيف استطاعت ان تحول هذه المدينة إلى قبلة يتجه إليها العالم للسياحة والاستجمام، وأيضا بلدية باريس ودورها في تطوير هذه المدينة الرائعة من حدائق ومتاحف، ومحافظة على التراث واعتبار الجوانب الإنسانية والحداثة في تخطيط المدينة وأيضا عدم إغفال الجانب الثقافي للتاريخ الفرنسي، ولا يخفى كيف أن عمدة بلدية باريس جاك شيراك أصبح رئيسا لفرنسا لدورات متتالية، لذلك فضعف الجهاز البلدي وعدم فاعليته في الكويت لا يعني إلغاءه أو التخفيف من اختصاصاته، بل يجب تطويره ليكون مثالا للحداثة الإدارية في الكويت والقدرة على تمازج الاتجاه الشعبي ورغباته ورقابته مع الجانب الفني والإداري للجهاز البلدي.
وتأتي بعد ذلك الرغبة الصادقة في التطوير خصوصا من الجهات العليا في البلد ورئاسة مجلس الوزراء، والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الأمة لأنه من دون هذه الرغبة الصادقة والطموح اللا محدود في تطوير هذا الجهاز، فمهما وضعنا من أنظمة إدارية حديثة وحلولا فلن تطبق وسيتم تحريفها وتحويلها عن هدفها الحقيقي.
ثانيا: من المهم إعطاء الجانب الإداري دوره الحقيقي في إعادة اختراع البلدية وتخفيف دور الجانب القانوني والفني والهندسي في بناء الأنظمة الإدارية الفاعلة إذ ان دورها سيكون لاحقا خاصة عند الانتهاء من المشروع الإداري، فتتم صياغته في قانون جديد للبلدية، ولذا يجب الاستفادة أولا من الخبرات الدولية في إعادة الاختراع كمفهوم يطبق في كثير من دول العالم حاليا وأصبح له خبراء، ويمكن هنا الاستفادة من هذه الخبرات الدولية في هذا المجال، وأيضا يجب الاستفادة من إدارة التغيير في صياغة أي تغييرات على مستوى الجهاز الإداري وفلسفة العمل الحديثة للجهاز البلدي، فغالبا ما تفشل هذه التغييرات على عتبة البيروقراطية وأصحاب المصالح الذين يهمهم أن يظل هذا الجهاز عاجزا عن أداء دوره الفاعل تحقيقا لمصالحهم، ولذا يجب الاستعانة بهذا العلم ورسم سياسة وآلية تنفيذ فاعلة تقوم على إدارة التغيير الحديثة.
ثالثا: بعض المفاهيم الإدارية في إعادة اختراع البلدية والمطلوب دراسة تطبيقها في البلدية:
1 ـ إدارة الحكم المحلي: من الأهمية بمكان إعادة دور البلدية لتصبح إدارة للحكم المحلي من خلال إعطاء البلديات صلاحية إدارة ورقابة الخدمات الحكومية على مستوى المحافظات مثل الخدمات الصحية والتعليم والأمن، ومعلوم أن من أهم أسباب نجاح البلديات في الدول المتقدمة هو المزج بين الإرادة والرقابة الشعبية على الخدمات وبين إدارة الخدمات العامة بصورة احترافية، وفي الكويت لدينا نموذج ناجح يتمثل في الجمعيات التعاونية فهي تمثل أحد أوجه صروح الحضارة المتميزة والفاعلة في تقديم الخدمات الاستهلاكية والاجتماعية في مناطق الكويت المختلفة، ولذا هذا المفهوم يجب تطبيقه على بقية الخدمات الحكومية التي تؤدي في مناطق ومحافظات الكويت المختلفة.
2 ـ اللامركزية: أمام التقدم التكنولوجي والتوسع العمراني وزيادة احتياجات الاقتصاد والمواطنين والمقيمين في الكويت أصبح لزاما تطبيق مفهوم اللامركزية الإدارية الذي يجعل دور البلدية الرئيسية أو وزارة البلديات دورا توجيهيا ورقابيا، ويعطي الفرصة للبلديات الفرعية الحق في التنفيذ الكامل للخدمات وفق أطر قانونية وإدارية وفنية مقننة، الاتجاه الحديث حاليا في تقديم الخدمات العامة هو أن تقوم الحكومات بالتوجيه وتبتعد عن التنفيذ وهو ما يسمى في مفاهيم إعادة الاختراع «التوجيه لا التجديف»، ولا يعني الابتعاد هنا عن مركزية المباني فقط، بل يجب أن تكون اللامركزية شاملة المباني والصلاحيات الإدارية والفنية والقانونية حتى تستطيع الوحدات اللامركزية أداء دورها الإداري بكل فاعلية وتساهم في تحقيق أهداف العمل البلدي.