استعرضنا في المقالين السابقين أهمية حماية المستهلك وكيف أصبح اتجاها عالميا ودوليا مهما في ظل تطور وسائل الغش بسبب التطور التكنولوجي، كما استعرضنا حجم الغش التجاري العلمي وغيرها من النقاط المهمة، واليوم نستعرض أمرا مهما جدا وهو ماذا نخسر إذا أهملنا حماية المستهلك؟
1 ـ انتشار الأمراض في المجتمع: ففي مقالة سابقة، ذكرنا كيف تراعي الشركات العالمية دولها في جودة منتجاتها بسبب خوفها من قوانين حماية المستهلك وعدم مراعاة ذلك في الدول النامية بسبب غياب مثل هذه القوانين، فالسجائر الآن مبيعاتها 80% في الدول النامية و20% في الدول المنتجة، ومعروف أن السجائر سبب رئيسي للسرطان وبالتالي الوفيات، وأيضا بدراسة في الولايات المتحدة ثبت أن حوالي ثلث حالات السرطان وأمراض القلب و80% من حالات السكر يمكن الوقاية منها إذا تخلى الناس عن تناول الوجبات السريعة وغيروا عاداتهم الغذائية، ولنا أن نعلم أن في الكويت 15% من السكان مصابين بالسكر حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية في بلد لا يتجاوز سكانه المليون أي كأنه انتحار جماعي، وذلك بسبب إهمال الرقابة الغذائية وجودة المنتجات وحماية المستهلك، والعدد في ازدياد والحبل للأسف على الغارب.
واحتلت الكويت المرتبة الأولى عالميا من حيث ارتفاع معدلات السمنة فيها، ومعلوم أن السمنة ستكون مسؤولة عن حدوث سبع وفيات من عشرة 2020، وفي دراسة لمركز السكر في الكويت يتناول الكويتي سنويا 37 كيلو من السكريات المضافة، بسبب غياب الرقابة هذا بالإضافة إلى تناول الأغذية الغنية بالدهون والسكريات، والتي هي مسبب 90% للسمنة، وآخر إحصائية دلت على أن النساء في الكويت 80% منهم يعانين من السمنة (حسب إحصائية وزارة الصحة) وهذا مؤشر خطير جدا ليس سببه عدم الوعي والإهمال ولكن السبب الرئيسي نوعية الأغذية غير المراقبة من ناحية الجودة والتي نتناولها، وصرح وزير الصحة د.الساير بأن الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والمسوحات التي أجريت محليا أكدت خطورة مرض السرطان وأنه يعد من الأسباب الرئيسية للوفاة في البلاد، وتسجل وزارة الصحة 1300 إصابة جديدة بالسرطان في الكويت، 50% منها فقط يتماثل للشفاء. باختصار، إذا استمررنا في إهمال حماية المستهلك فإننا نقتل أنفسنا ونجعل الآخرين يقتلوننا لكن بصورة غير مباشرة من خلال الأغذية الفاسدة والضارة، فيجب أن نضع حدا لهذا فإن الأمراض ستزيد وتزيد ولا مانع لها.
2 ـ أولادنا يموتون في الطرقات: سجلت الإحصائيات أن الكويت من أعلى معدلات الوفيات المرورية في العالم، حيث تبين أن 450 حالة وفاة سنويا أغلبهم من الشباب، هذا فضلا عن الإعاقات التي تقدر بالآلاف سنويا، ومعلوم أن عدد السيارات على الطرق تزيد بمعدل 10%، ومعلوم أن مشكلتنا الرئيسية في هذا المجال تتمثل في:
ـ غياب تطبيق القوانين المرورية واتخاذ إجراءات السلامة مثل حزام الأمان، والقيادة أثناء التحدث بالموبايل، والطرقات السيئة بسبب إهمال إدارة المرور لدينا ولا يوجد من يدافع عن حقوق المواطنين المهضومة أمام هذه الإدارة.
ـ احتكار بيع السيارات من خلال إعطاء وكيل واحد للسيارات المستوردة مما يؤدي إلى إهمال الوكيل لإجراءات السلامة في السيارات فمثلا أجهزة محاربة التلوث التي تنزع من السيارات المستوردة في الكويت، بينما هي موجودة في بلد المنشأ، وأيضا إهمال أجهزة السلامة في السيارات من ناحية الجودة بلا رقيب ولا حسيب، ومعلوم أن سيارات إحدى الوكالات سحبت في أنحاء العالم بسبب سوء الفرامل وتسببها في وفيات، فيما عدا الوكيل في الكويت الذي يرى أن سياراته لا تعاني من ذلك لكن السبب الرئيسي أنه لا حسيب ولا رقيب على هذا الوكيل الذي اشترى ضمائر المسؤولين وسكتوا عنه، ولم تسحب سيارة واحدة منه في الكويت لإصلاحها، وليموت أفراد المجتمع بسبب الطمع والجشع الذي لا حدود له للأسف، وليموت شبابنا في الطرقات، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبي الله على الظالمين.
ـ إهمال إنشاء وسائل النقل العامة في الكويت بسبب نفوذ وكلاء السيارات ومنعهم من إنشائها مثل المترو، وسكك الحديد، والباصات الحديثة خوفا على مبيعاتهم السنوية.
ـ إهمال الرقابة المرورية على الطرقات من قبل إدارة المرور وترك الشباب لمصيرهم المحتوم لانه لا يوجد من يراقبهم ويحاسبهم من جمعيات حماية المستهلك وغيرها من منظمات المجتمع المدني. وأذكر انه كان لي لقاء مع أميركي، فقلت له ما رأيك في الكويت؟ فقال الكويت جميلة، لكن أخاف من السير في الطرقات بسبب crazy drivers، والسؤال: أين الرقابة على مجانين السرعة والتجاوزات المرورية؟
ـ عدم تطبيق معايير الجودة على الإطارات وغيرها من الأجزاء المصنعة في السيارات وهي أهم أسباب الحوادث، ونكتفي بهذا القدر.
3 ـ استمرار انتهاك الموظفين الحكوميين لإجراءات الأمن والسلامة والرقابة: بسبب عدم وجود حوافز تحمي هؤلاء أمام الإغراءات المادية الكبرى للشركات لهؤلاء فهم مستعدون يدفعوا مليون دينار مقابل تمرير 100 مليون، ولا يهم وفاة الكويتيين أم لا، وما حوادث اللحوم الفاسدة بآلاف الأطنان إلا دليل على ذلك، وغيرها من المواد الغذائية الفاسدة والتي ستمر دون رقيب أو حسيب، وما قضية مدير الأغذية المستوردة إلا قضية مستمرة في البلدية منذ الثمانينيات عندما كنت موظفا واعتقل مراقب الأغذية المستوردة بسبب الرشوة، لكن لم نكن نعلم أن هناك طوابير فاسدة منتظرة أن تعتلي هذا المنصب للإثراء غير المشروع ولسهولته، فالحل في الرقابة الشعبية وليس الرسمية من خلال منظمات حماية المستهلك وإلا فسيستمر مسلسل الأغذية الفاسدة إلى ما لا نهاية.
4 ـ عدم التزام الشركات العالمية بجودة الخدمات في الكويت: بينما هي ملتزمة فيها في الدول الأخرى، فلنقارن جودة الخدمة في المطاعم مثلا بين الكويت وماليزيا، أو الدول المتقدمة، فلنقارن الشيكولاتة التي تأتي إلينا مصنعة من إحدى الدول العربية دون التزامات الجودة بينما هي في دول مثل دبي تأتيها من بريطانيا. وهكذا، سنظل نعاني من انخفاض مستوى الجودة إذا لم نحترم أنفسنا ونلزم هذه الشركات بالجودة العالمية.
5 ـ الخسائر المادية في إصلاح الضرر ستكون عالية جداً: ما كلفة معالجة 15%من المجتمع الكويتي من مرض السكري؟ وما كلفة معالجة السرطان؟ وما كلفة معالجة 82% من المجتمع يعانون من السمنة؟ وما الكلفة غير المباشرة من الوفيات وخسائر الأرواح؟ كل هذا ممكن تجنبه من خلال سياسة الوقاية من خلال حماية المستهلك.
6 ـ غياب حماية المستهلك يعني غياب الجودة عن منتجاتنا وخدماتنا: وهذا يعني عدم قدرتنا على المنافسة الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية، وهذا فيه ضرر اقتصادي كبير بالأخص من خلال إيجاد مصادر بديلة للدخل النفطي من خلال قطاع الصناعات والخدمات.
7 ـ عدم قدرتنا على التحويل إلى مركز مالي وإداري عالمي: لأننا لن نستطيع أن ننافس من ناحية الجودة في المنتجات والخدمات والتي هي أساس وقاعدة في رغبة المستثمرين وغيرهم في الاستفادة من خدماتنا ومنتجاتنا، فعنايتنا بحماية المستهلك ووجود مثل هذه المنظمات يضمن لنا الجودة والمنافسة العالمية واستخدام منتجاتنا وخدماتنا والتحول إلى مركز مالي وإداري عالمي.
[email protected]