لم أعرفه ولم يعرفني شخصيا، ولكن عشقنا للبحر وإرثه هو السبب في تعارفنا. كان ذلك في شهر يوليو 2012، عندما اتصلت به لمقابلته بخصوص كتابي الجديد حول التراث البحري الكويتي. وفي أول لقاء معه، عرضت عليه مسودة الكتاب التي تتضمن صورا كثيرة للبحارة والسفن الشراعية. وأكثر ما شد انتباهه صور البحارة الذين ركبوا معه في سفينة «فتح الخير» والسفن الأخرى التي قادها، وسألني بانبهار: «أشلون حصلت على هذه الصور؟!» فقلت: «من أصحاب الفرق البحرية الشعبية»، حيث كان معظم أعضائها القدماء بحارة ومجادمه (ومفردها مجدمي وتعني رئيس البحارة).
ثم قال: «لاحظت إنك تسميهم في الكتاب «فنانين شعبيين»، وأنا أفضل تسميتهم بـ «الرجال»، أتحطهم على يمناك، ولهم الفضل ـ بعد الله ـ في بقائي على قيد الحياة. أنا المفروض ميت غرقا في منتصف الأربعينيات، ولكن الله لطف فيني، وبحارتي لقوني في البحر بعد بحث دام ثماني ساعات في الظلام والأمواج».
سألته «هل مازلت متواصلا مع بحارتك؟» فرد: «نعم، لم أتركهم أبدا منذ أن وقف السفر الشراعي. كنت أحرص على أن أكون حاضرا في أفراحهم وأحزانهم. ولما مات معظمهم، صرت أتواصل مع أولادهم وأقوم بتوجيبهم. والآن، لأنني لا أستطيع المشي، صرت أتواصل معهم بالتلفون».
«يقولون عنك إنك «أسد» في البحر، و«حمل وديع» في البر؟»! نظر إليّ وقال «هذا صحيح، لما يحملوني مسؤولية كبيرة لازم أكون «أسد» لكي أرجع السفينة لمالكها، والبضاعة لتاجرها، والبحارة لأهاليهم سالمين، وبعد إتمام ذلك، ما في داعي أكون أسد».
لقد تعلمت من النوخذة الكثير من المعلومات البحرية القيمة التي أثرت كتابي خلال زياراتي المتعددة له. وفي مايو 2013، أكرمني بموافقته على كتابة «التصدير» لكتابي الجديد، وقال: يشرفني أن أكتب بحق هؤلاء الرجال، وبالفعل كتب «التصدير» ووقعه بتاريخ 27 مايو 2013، وبإذن الله سيرى الكتاب النور خلال هذا العام.
نسأل الله الرحمة والمغفرة والجنة للنوخذة الكبير عيسى يعقوب بشارة، الذي سجل التاريخ البحري الكويتي اسمه كأحد أشهر نواخذة السفر التجاري الشراعي في الكويت والخليج العربي، الإنسان الذي عرفوه أهل الكويت بخلقه الرفيع، وعشقه للبحر، ومحبته لبحارته، ووفائه لبلده وأهله وأصدقائه.
* مستشار وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب - ورئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب