بقلم: يوسف عبدالرحمن
[email protected]
في العاشرة صباحا اتجهت إلى محطة القطار وأخذت تذكرتي بـ 8 باوند واتجهت الى مدينة سترلينج (Stirling) كي أرى قلعتها التاريخية التي تحكي قصة نضال الشعب الاسكتلندي ضد الانجليز.أفضل دائما القطار، لأنك راح تدفع 8 باوند لرحلة تستغرق في طريق الذهاب لها 25 دقيقة والرجعة 40 دقيقة نظرا لتوقف القطار في بعض المحطات، طبعا هناك سيارات وتكلف ما بين 50 و100باوند، حسب شطارتك.
عبق التاريخ
منذ ان تطأ قدمك مدينة سترلينج ستجد نفسك امام التاريخ مجسما حقيقيا بكل وقائعه وملفاته وشواهده، فهناك سترى وأنت في طريقك إلى القلعة اعتزاز الأسكتلنديين بتاريخهم «الدامي» ضد الانجليز في ذاك الزمن..
وأنت هناك في جنبات المدينة حتما ستتذكر البطل التاريخي وليام والاس الاسكتلندي الذي قتله الانجليز بعدما تآمر عليه الخونة (حال كل الأبطال في التاريخ البشري).
قلعة سترلينج
من محطة القطار وصولا الى القلعة ستشعر بالتعب اذا كنت ماشيا لأنك ستصعد الجبل الذي يضم القلعة التاريخية ومرافقها وقبورها وهذا الكم الهائل من المسطحات الخضراء الجميلة.
تشتري تذاكر وتدخل القلعة وستجد قبلك مئات السياح قد سبقوك وهم يسابقون الزمن لرؤية محتويات القلعة التي تبهرك «القبور» المحيطة بها لآلاف الأسكتلنديين الذين قتلهم الانجليز في حرب التحرير حتى الاستقلال.
في داخلها حفظ التاريخ مجسما كما هو بمطبخه وزنزاناته ومهاجع الجنود والمدافع والأدوات المستخدمة، وقد كتب تاريخ كل المراحل في جداريات، وهناك يعطونك جهازا يعرفك بكل أقسام القلعة وتاريخها، سماعا ومشاهدة.وفي داخل القلعة هناك مقهى يقدم العصائر والمياه والاسناكس فقط وعندما تخرج ستجد محلا يعج بكل تذكاريات القلعة من سيوف ومدافع وملابس.. قلعة تاريخية تستحق المشاهدة.
يعشقون سترلينج
واضح ان اسكتلندا كلها تعشق هذه المدينة ذات التاريخ والجاذبية وهي الآن «التاريخ والحداثة» في مكان واحد وتخلد ذكرى بطلهم الأسطوري وليام والاس، وهي ايضا تجمع الدراماتيكية الاسكتلندية والرومانسية وحسن الخلق والتواضع الاسكتلندي اللافت للنظر.سترلينج تقع في قلب اسكتلندا على نقطة تلاقي الأراضي المنخفضة والمرتفعة، فهي بهذا تعني في حال الانخفاض التواضع وفي حال الارتفاع العلو ورباطة الجأش والسلام والحرب، ومن يمشي في حواريها ويستكشف جبالها وسفوحها وبحيراتها يعي تماما ما أقول، وعلى الرغم من ان عدد سكانها 50 ألف نسمة فإنك تحسبهم 5 ملايين نسمة في أرجائها ويشكلون هويتها.
انها والله تملك سحر الموقع التاريخي وصخب الحياة العصرية، وفي تشكيلها الإداري لاحظت انهم يستقطبون الشباب الطلاب بكل متطلباتهم وهم الشريحة المخاطبة بكل وسائل الإعلام عندهم، وهذا ذكاء ذو توجه المقصود منه ربط هؤلاء الشباب بتاريخهم.ولا عجب أبدا إذا وجدت ان اعلامهم المسموع والمقروء يركز على بطلين أسطوريين هما وليام والاس وروبرت بروس، وهما بطلان من القرون الوسطى شكلا لهم تاريخهم.
جامعة سترلينج
من اهم الصروح عندهم في هذه المدينة التاريخية جامعة سترلينج وهي تعادل الجامعات في غلاسكو وادنبره، والماستر عندهم يضاهي كبريات الجامعات، والطالب يحصل على تسهيلات كثيرة في الرسوم، فالسعر يعادل من 450 - 600 باوند والأكل 150 باوند، اما المواصلات فيعطى الطالب كرتا كلفته شهريا 5 باوند.
المركز الإسلامي
يوجد مركز إسلامي في قلب مدينة سترلينج تأسس قبل 20 عاما، وتقام فيه الصلوات وتحيا فيه المناسبات، ومرافقه عديدة: غرفة كبيرة للصلاة وأماكن مخصصة للدراسة والمحاضرات وملحقة به مدرسة اسلامية للاطفال والكبار، وتم شراء ارض جديدة، وتجمع التبرعات للبناء، وقد تعرض المبنى القديم الى حريق وجرى تجديده بسجاد جديد، وقد بدأ تدريس القرآن فيه منذ عام 1992، واستمر هذا حتى عام 2003 بجهود د.اسماعيل والاستاذ ابراهيم مهتار وجهودهما كبيرة لإحياء السنن مثل صلاة التراويح والقيام وحفظ القرآن وافطار الصائمين خلال شهر رمضان في المركز، ولعل ابرز ما رأيته هو مؤتمرات الشباب التي تجمع الشباب المسلم في هذه المراكز الاسلامية لإحياء علوم الدين ومع الالتزام التام بكل ما تطلبه الدولة ومطلوب من المسلمين الالتزام باللوائح والنظم والتشريعات الخاصة بالمجتمع المدني الأوروبي.
وليام والاس
سير وليام والاس احد الفرسان الذين قادوا الاسكتلنديين ضد الانجليز حتى مقتله، ورغم مؤامرة مقتله التي اختلفت فيها الروايات، الا انه ظل بطلهم الهمام المقدم في الطليعة والتاريخ حسب كاتبه، فمنهم من صنفه بانه وطني شجاع او مجرم حرب وهمجي الا انه في اعتقادي لا يزال وسيظل بطلا اسكتلنديا ازليا ولعل فيلم «brave heart» وثق حياته واعطاه هذه الحقيقة الأبدية لأنه ضحى بروحه في سبيل وطنه.
والده كان يملك أراضي في بلد صغير في رينفرو ويدعى السير مالكوم والاس، وفي عام 1296 قام الملك ادوارد الاول من انجلترا بالإطاحة بملك اسكتلندا جون من باليول وسجنه وأعلن نفسه الحاكم على اسكتلندا مما آثار غضب الاسكتلنديين.
وفي عام 1297 ذكر ان السير والاس قام ورجاله بإحراق لانارك وقتل المأمور الانجليزي ليقوم بعدها بتنظيم الرجال الوطنيين وملاك الاراضي ليهاجموا حصنا انجليزيا بين نهري فورث وتاي.
وفي 11 سبتمبر 1297 تواجه السير والاس مع جون دي وارين في سترلينج وكان على الجيش الانجليزي ان يعبر جسرا ضيقا وهم كثرة فأصبحوا هدفا لوالاس ورجاله فاحتل قلعة سترلينج واصبحت اسكتلندا حرة لبعض الوقت ثم واصل تقدمه وحرر بقية المناطق وقد اعطي لقب «فارس وحامي البلاد».
نهاية مأساوية!
بعد ان حرر السير وليام والاس بلاده من الانجليز ونال انواط الشجاعة والألقاب، أعطاه بعض النبلاء والتجار دعما شحيحا لا يليق بفارس هزم الانجليز في عز سطوتهم ومجدهم، وكان الملك ادوارد في حملة ضد فرنسا وقد رجع في مارس 1298، وفي 3 يوليو قام بغزو اسكتلندا وهزم والاس، ورغم فشل الملك ادوارد في اخماد الثورة قبل عودته كانت سمعة وليام والاس من (المخابرات والخونة) قد اطاحت بهذا الفارس التاريخي لاسكتلندا فاستقال من منصبه وحل محله البطل التاريخي رفيق دربه روبرت بروس.
ومع وجود المتآمرين تتبع الانجليز البطل وليام والاس وتمت مطاردته ورغم انه اختفى 4 سنوات دون ظهور إلا أنهم وصلوا له واعتقلوه وطلبو منه ان يعتذر فرفض بكبرياء وشهامة وبطولة، فعذب وأعدم حتى انهم انزلوه وهو يختنق من المشنقة وطلبوا منه ان يعتذر فرفض فقاموا بربطه بأربعة احصنة، اثنان للرجل ومثلهما لليدين، ومزقوه ثم احرقوا اعضاءه ثم تم تجميعه وتعليقه على جسر لندن وتوزيع اطرافه على نيوكاسل وبرويك وسترلينج وابردين حتى يكون عبرة.. فتحول الى بطل اسكتلندي حقيقي وقلب شجاع.
إقرأ أيضا