خدمة المجتمع ليست عقوبة ولكنها كذلك، «تنفيذ ساعات لخدمة المجتمع» بحكم قضائي لردع الشباب عن المشاجرات بإلزامهم تقديم أعمال مفيدة للمجتمع والدولة والناس، وذلك لتأهيلهم للاختلاط بنماذج جيدة تغير من سلوكياتهم العدوانية وامتصاص الغضب، المشخص من أطباء مختصين نفسيين واجتماعيين، وكذلك وغير المبرر أحيانا بل هو سلوكيات منحرفة تتطلب التقويم بالتربية والتأديب «النافعين» لا التدمير.
وقد يكون مناسبا في هذا المقال الإشارة إلى أن وجود عيادات نفسية واجتماعية في المراكز الصحية للمناطق بات أمرا ضروريا وحاجة لا رفاهية، وبالذات بعد أزمة كورونا أصبح الجميع بمختلف الفئات العمرية في حاجة لجلسات تنفيس وترميم وإعادة تأهيل، حتى اجتماعيا واقتصاديا وليس نفسيا فحسب، فقد واجه المجتمع أزمة تأقلم مع واقع جديد عليه ومازال الحظر بنوعيه الجزئي والكلي وبعد مرور عام كامل يلقي بظلاله السوداء على انفعالات الناس والعلاقات في البيوت.
وعودة للخدمة المجتمعية كعقوبة قضائية، فمن ميزاتها تكريس قيمة العطاء والإيثار عند فئة الشباب الجامح الذي اعتاد على الأخذ والأنانية والحياة السهلة، وفك اشتباك الملفات المهمة والعاجلة عن ملفات قضايا «مشاجرات الشباب» والتي سببها غالبا تفاهات تشغل وقت مؤسسات الدولة وتستخدم جيشا من الموظفين والذي يدفع الثمن قضايا تتعلق بالحقوق كالجنايات ونفقة والحضانة والميراث وغيرها من الجرائم التي تهدد الأمن المجتمعي.
لذلك فإن إنشاء محاكم خاصة وسريعة «لمشاجرات الشباب» قد يكون حلا، حتى تعود فطرتهم للاستقامة، وأحكام الخدمة المجتمعية تهدف لتوجيه الطاقة للنافع من السلوكيات والاحتكاك بمشاريع تمس الحياة الحقيقية بدلا من أوهام الصراعات التي تدور في أذهان تلك الفئة التي سيطرت عليها الأجهزة النقالة بشكل سلبي وأساؤوا استخدامها فكانت النتائج تدميرا للوقت والمال بدلا من أن تكون سببا في التطوير والاستعمال كمصدر للخبرات ولتسويق الأعمال وإدارة للأرباح.
منذ أكثر من 30 عاما، نتحدث عن ثلاثة عقود من الزمن، طرحت هذا الحل في محاضرة عامة عن دور المؤسسات الإصلاحية في الإصلاح، والحقيقة أنه لا دور مثبتا لتلك المؤسسات في إصلاح الفرد بعد تنفيذ عقوبة الحبس، بل يخرج ناقما على المجتمع وأشد بعدا وعزلة عن البيئات الجيدة، بل ويمنع من العمل لأعوام لأن لديه سابقة، فتكون تلك أسباب للعودة للجريمة والسجن بدلا من التأديب والإقلاع.
قرأت الكثير من الدراسات والرسائل العلمية التي تطرح الخدمة المجتمعية كعقوبة بديلة مجدية عن السجن، وترتكز على أن الواقع التطبيقي للعقوبة السالبة للحرية بالذات «القصيرة المدة» أثبت أن السجن لم يستطع تحقيق الأهداف المرجوة منه في قانون العقوبات الجنائية المعاصر، مثل المواطنة الصالحة والردع عن الجريمة وتحقيق الأمن الاجتماعي، بل صار السجن وصمة تؤدي إلى العزلة الاجتماعية والنبذ الوظيفي.
ولتحقيق العدالة يجب إيقاع العقوبة على المذنب بحق المجتمع ونفسه، فالخدمة المجتمعية كعقوبة تحقق الغرض بحفظ حقوق المجتمع بتكريس السلم الاجتماعي الذي تهدره الجريمة والجرأة على تكرارها، بينما السجن يلحق بصاحبه العار والخزي وآثاره عكسية تدميرية تتعدى المذنب لعائلته، فبدلا من إصلاح شخص تدمر أسرة.
إن العقوبة على الجريمة للردع الخاص للمذنب والعام لمن يرى أن الجرائم لا تمر بلا عقوبة فيتعظ، وتنفيذ العقوبات يكرس دولة القانون ويحمي المجتمع من فوضى التعدي على القوانين والأعراف المغلفة بالحرية الشخصية.
وحياة طيبة للجميع.
kholoudalkhames@