في الكتابة سر لا يعرفه إلا من تورط فيها وعاشت معه وعاش بها، أعني أن تكون الكتابة بيته وعمله وشغله، تموج جملها في صدره وعقله حتى يدخل حالة يرى بها أمام عينيه أفكاره وما يريد قوله، وتولد كل هذه الجمل قبل أن تولد فكرة مقالته في عقله، ولا ينتهي من هذا الطوفان بين الجسد والجمل إلا بعد أن ينهي كتابة مقالته وينزلها من صدره إلى صدر الورق لتكون مقالة معدة للنشر.
***
الكتابة بشكل عام عمل ممتع خاصة عندما تكون جزءا قديما من عمله، ورغم قدمها معك لا تبلى ولا تقدم ولا تتغير إلا إلى الأفضل، وكأن الكتابة تجدد نفسها داخل صدر وعقل صاحبها بشكل يومي، نعم هناك تحديث بشكل يومي، في الربط والجمل والصياغة والمدخل وحركة الدخول والالتفاف وتغيير الحبكة، كل يتغير دوما نحو الأفضل.
***
الكتابة طريقة تنفس روحية لمن يمارسها، ليست مجرد شغف أو «هواية» بل للبعض أسلوب حياة بغض النظر عما يكتب عنه أو يتناوله في مقاله اليومي أو الأسبوعي، أسلوب حياة أو على الأقل جزء رئيسي من حياة من يمارسها، للبعض قد تكون الحياة كلها، طبعا ولا شك أنها للبعض - كما رأيت وعرفت وعلمت وعاصرت - إنها رحلة عبور من منصب حكومي إلى منصب آخر أعلى من الأول.
***
فسرت رؤيتي للكتابة على عجالة، الآن سأغير الذي يتخذون الكتابة كأسلوب تقرب من أصحاب القرار سواء للبحث عن منصب استشاري أو تنفيذي، وعلى مدار 25 عاما رأيت من هذه النوعية الكثير، يتساقطون على الكتابة تساقط الفراشات، يختفون ويعودون يتوارون في الخفاء عندما يكون الجو هادئا لكنهم يظهرون عندما تتكهرب الأمور فيبدأون بسل سيف الحكومة ويهاجمون المعارضة والإصلاحيين وحتى المستقلين، طبعا بعضهم الآن انتقل للعب هذا الدور عبر تويتر وحول المقالة إلى سلسلة تغريدات تضرب المعارضة وكل من سلك معها طريقا أو نهجا أو حتى جملة، وكأن هؤلاء ينثرون كل ما من شأنه الهجوم على معارضي الحكومة وكذلك يلفت نظر الحكومة أو يحاولون بما يكتبون أو يغردون به نظر الحكومة وكأن لسان حالهم يقول وهو يكتب..«شوفونا يا حكومة»..«عطينا وجه يا حكومة، فمقالاتهم ظاهرها ضرب الإصلاحيين وباطنها محاولة التقرب من الحكومة أو الحصول على منصب كما ذكرت آنفا.
***
الجميل في النهج الحكومي الجديد، أنه حتى الآن يرفض هذا النوع من الكائنات الكتابية «ولم يعطهم وجها» حتى الآن، لكنهم مستمرون في ضرب كل من هم إصلاحيون سواء كانوا داخل المجلس أو خارجه، بل لا بأس لديهم من استذكار السياسيين في تركيا والهجوم عليهم رغم أن «الأخيرين ساكتين عيال الحلال وناطرين».
***
بظني أن هذه الكائنات السياسية ومكشوفة لدى الجميع ولم يعد يثق فيها أحد وستصبح قبل نهاية هذا العام نقطة سوداء في ذاكرة المشهد السياسي لدينا.
***
توضيح الواضح: مهما بلغ الألم مداه بك، فالأمل أقرب باب آمن تخرج منه، وينتهي كل شيء.
[email protected]