هو الشيء الوحيد الذي يكون معك بضيقك قبل فرحك، وان كان بآخر الأرض وشعر بحاجتك له، ستجده معك، هو الذي يترك آثاره الطيبة التي من الصعب أن تفيها حقها في قلبك.
كالنهر في عذوبته وارتوائه، برفقته تشعر بأنك ما زلت تحيا، تتنفس، تعيش، فهو الوجه الآخر لك، الذي لا يصدأ، مهما طالت السنين، ومن دون تصنّع يضحي من أجلك، يحبك ويملأ عليك خلوتك، ويبعد عنك وحشتك، ذلك الحب الذي يستحيل ان يصدأ مهما حصل بك، إلا انك تجده دائما بجانبك.
يعرف كل شيء عنك، أخطاءك، مساوئك، سلبياتك وتبقى مشاعره كما هي نحوك، ومهما كبرت من نسمة الهواء تجده يخاف عليك، وهذا بحد ذاته سبب كاف لأن يجعلك تصبح سعيدا، متفائلا، مبتهجا.
يبتسم عندما يرى ابتسامتك، يفرح لفرحك، يفخر بنجاحك وتفوقك، يسعد لسعدك، يغضب لغضبك، يحزن لحزنك، وكأنه في سفينة واحدة معك، يغرقه ما يغرقك.
الأبوة، تلك التي عادة ما تشكل الحياة المثالية بالنسبة لنا أكثر من اي شيء آخر، الأبوة هي بمنزلة الصحة الجيدة، التي لا نشعر بقيمتها إلا عند فقداننا لها.
فالجميع من حولك يسمعون لما تقوله انت وينتبهون لك، إلا معه! وان لم تقل شيئا ! تجده يسمعك ويفهمك حتى اكثر من نفسك، فيكفي بوجوده تشعر بحقيقة قيمتك.
يقال:
أبي.. لم أجد صدرا يضمني إليه سواك، فأنت نبع الحنان السامي، وأنت ذلك الحضن الدافئ، أبي.. أنت من علمني معنى الحياة، أنت من أمسكت بيدي على دروبها، أجدك معي في ضيقي، أجدك حولي في فرحي، أجدك توافقني في رأيي، حتى لو كنت على خطئي، أبي.. أنت معلمي وحبيبي، فتنصحني
إذا أخطأت، وتأخذ بيدي إذا تعثرت، وتسقيني إذا ظمئت، وتمسح على رأسي إذا أحسنت،فمن مثلك أيها الأب؟!
فالأب هو الأساس المتين الذي يبنى عليه كل مجتمع، مهما اختلفت ألوان ذلك المجتمع، واختلفت أشكاله وأجناسه وأفراده، هو الذي يستحيل ان يتجاوز حقك، ينساك او يخذلك، او يفضل هذا أو ذاك عليك، ودائما ما ستجده يساندك، لأنه يشعر بالمسؤولية تجاهك مهما بلغت من عمرك.
لا يتوقف عن السؤال عنك، يتفقدك من حين لآخر، وبالتفاني والإيثار يملؤك، فهو عبارة عن مجتمع ملائكي محب، مخلص، مجتمع سرمدي دائما ما يكون أفراده على قلب واحد، لا يعرفون أبدا الكره، التحاسد، التباغض.
يحترم الصغير والكبير، ويرحم الكبير والصغير، ولا يتجبر بنفوذه كأب عليهم، بل يصبح كقدوة حسنة لهم، ويعبر بتعلقه وحبه بهم بشتى الطرق.
وعلى الأخلاق الفاضلة يربيهم، وعلى معاني الإخاء يعلمهم، ليساعدوا ويكملوا ويراعوا حقوق بعضهم البعض.
فوحده من يدعمهم ويقبل عثراتهم، يحنو عليهم ودائما ما يشجعهم، كونه مدركا لتلك العلاقة ولمضمونها العميق الواسع، لذلك معه فقط نتعلم كيف نرتقي بأخلاقنا مع بعضنا او مع غيرنا لنؤجر، عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه».
فلذلك عادة ما يترك فقدان الأب أثرا نفسيا عميقا بداخلك، أثرا قد يمتد طويلا وهو متغلغل بك.