روي عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «علمني كلاما أقوله»؟ قال: (قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم) قال: «فهؤلاء لربي، فما لي»؟ قال: (قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني).
فالله سبحانه غفور حكيم، لا يأمر عبثا وسدى وباطلا، بل هناك مراد فيما أراد، أي ان أفعاله صادرة عن حكمة بالغة من عنده، حكمة لا يعلمها أحد سواه.
كما وحده أيضا ذو الصنع المتقن والأفعال السديدة، فمن تأمل فعلا مبتداه ومنتهاه، وتفكر في مصير دنياه، سيكتشف بعدها، أن هناك أشياء لا شيئا واحدا فقط! يدل على عظمة الخالق وحكمته فيما كتب وقدر وقرر، أشياء تجعلك توقن وبازدياد بأن كل من يعيش على هذه الأرض، إلا وله وقت ابتداء وانتهاء، وذلك طبعا على وفق حكمته وإرادته سبحانه.
فهو لم يخلقنا ولم يخلق تلك الأمم الكثيرة المختلفة، إلا لحكمة عظيمة من عنده، وغاية جليلة تتمثل في عبادته وحده.
لذلك ما من شيء يخلقه إلا وأحسن خلقه، وأتم صنعه، ليرينا فيما بعد ويوضح لنا ما يريده ببالغ حكمته به، ذلك وان اشتدت مصاعبنا علينا وأحزازنا، مهما كثرت وفشلت تجاربنا، مهما كسرت خواطر ارواحنا، مهما زادت آلامنا بكل مرحلة من مراحل حياتنا، إلا انه لا يعلم بعذاباتنا الداخلية ولم يحص دمعاتنا الا وحده سبحانه.
وما واجبنا نحن إلا ان نبتعد عن تذمرنا الدائم ونبدله بما هو آجر لنا، الا وهو الصبر، فإن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومقام الصبر من أعظم مقامات الإيمان لأنه يكف عن اجتراح السيئات ويبعدنا عن قبائح العادات، ويثبتنا عند نزول المدلهمات، قال تعالى: (واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
كما قيل عن الصبر ايضا إنه لغة المنع والحبس، وذكره سعيد ابن جبير حين قال: «الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه فيه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه الا الصبر».
(ولربك فاصبر)، فإن العبد ان لم يكن مؤمنا بأن كل ما يحصل معه في حياته، لا يحدث إلا لحكمة ما، من عند ربه، وان لم يوقن بحكمته فيما كتبه وقدره الله له، وان لم يقوده هذا اليقين إلى الامتثال والإذعان، سرعان ما سينهار لأي حدث سيئ يحدث في حياته، وبطريقة ستؤثر عليه وعلى من حوله.
قال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم).
كما صنف لنا عبدالرحمن القحيز: بعضا من أولئك الذين سرعان ما ينهارون ويضعفون لأي حدث يكتبه الله سبحانه وتعالى لهم، فمنهم من يضعف أمام الأمراض، ومنهم من يضعف أمام الفقر، ومنهم من يضعف امام الفقد، وهناك من يضعف ويرتاب فقط أمام الأقوياء اصحاب النفوذ، وكأن لا خالق لهم! ولما وضع سبحانه نقطة ضعف معينة، لدى كل شخص منا، أرادها ان تكون فيه، تترسخ وتتعمق وتتأصل بداخله ليختبرنا أحيانا بها، وضعها لحكمة بالغة جدا، لا يعلمها أيضا أحد سواه.
هذا، وخاصة اننا اصبحنا في عصر نرى الكثير فيه ممن هو ضائع ما بين الضلال والتذمر والنفاق، وما بين الجحود والغضب والنكران.