يعد العمل التطوعي رافعة أساسية من روافع الحياة للناس كافة، فلم تستغن البشرية عنه يوما ولم يغب من الصورة مهما كان الواقع الذي يعيشه الناس، فالعمل التطوعي قائم في السلم والحرب، في الرفاه والعوز، في أيام النهوض أو التراجع والتقهقر على أي مستوى من المستويات، فالبشرية جمعاء ظلت في احتياج إلى العمل التطوعي، وظلت أمة من الناس قائمة على هذا العمل على مر العصور.
يستطيع الذي يحمل معنى التطوع بالفعل أن يغير حال أمم وحضارات وذلك لما له من ميزات لا تتوافر في العمل التقليدي الذي يتلقى أصحابه مقابلا من أي نوع.
ولا يخفى على أي متابع في العصر الحديث ما أنجزه العمل التطوعي على المستوى العالمي وكذلك على المستوى المحلي، لكن تبقى هناك بعض الشواهد على أن هذا المجال يعتريه بعض السلبيات والخلل في أحيان كثيرة، ولسنا بصدد عرض وقائع بعينها بقدر ما نحن بصدد توجيه إضاءة قوية نحو هذا الأمر، فواقع العمل التطوعي الآن يثير العديد من الأسئلة على رأسها: لماذا تظل حالات بعينها من حالات الاحتياج والفقر والعوز على حالها؟ لماذا المحتاجون مازالوا في حالة احتياج رغم هذه المجهودات المبذولة على مر السنين؟ لماذا نحن واقفون عند نقطة معينة ولا نتجاوزها؟ لماذا في كل شتاء مازال نفس المحتاجين يفتقرون إلى الكساء والتدفئة رغم أن جهود العمل التطوعي مستمرة عندهم منذ عشرات السنين؟ هل هو سوء تخطيط وإدارة؟ هل الأرقام التي نسمع عنها جزافية وتغاير الحقيقة؟ لماذا تظل نفس الشكوى مستمرة وقائمة لدى شرائح عديدة من المحتاجين على مدار سنوات عديدة؟
يجب أن يثمر العمل التطوعي أفكارا تجعل هؤلاء المحتاجين في حالة من الاكتفاء المستمر، وهذا يحدث بالفعل من بعض المؤسسات العاملة في هذا المجال، لكننا نجد جهات وهيئات أخرى تعزف النغمة ذاتها كل عام والتي تقول: تبرعوا من أجل التدفئة، تبرعوا من أجل الكساء، تبرعوا من أجل ألا يكونوا حفاة!! هل يعقل أن تكون جهة ما تدعم فئة فقيرة حول العالم منذ عشرات السنين ومازالت هذه الفئة تحتاج إلى الكساء والحذاء؟!
إن الثمرة الحقيقية للعمل التطوعي هي مشروع مستمر وولَّاد لا يقف عند تقديم مساعدة طارئة مرتبطة بموسم معين، وكذلك العمل التطوعي يجب ألا يتحول إلى مادة للتسويق لجهات أو مؤسسات، فلماذا نلتقط الصور إلى جانب الفقراء ونحن نقدم لهم المساعدات ونسعى إلى الاستفادة الإعلامية من وراء ذلك مما يفرغ العمل التطوعي من مضمونه وهدفه الأساسي؟ من حق الجهة التي تقدم المساعدات أن تقدم ما يثبت عملها وهذا يحترم، لكن لا يتحول هذا إلى وسيلة للشهرة عبر السوشيال ميديا من خلال استغلال حاجة الفقير إلى المساعدة.
ما أود قوله للسادة القراء، ان التطوع يختلف كليا عن باقي الأعمال والاختلاف هذا هو ما يميز صاحبه وأول مستويات هذا التميز أن يسقط المتطوع نفسه فيما بينه وبين الله عز وجل، فالتطوع بالدرجة الأولى هو عمل ينتظر صاحبه الأجر من الخالق ولا ينتظر من ورائه استعراضا إعلاميا أو مكاسب شخصية أو بناء مؤسسات خاصة.