كان للتغيرات السياسية وما تبعها من ازدياد الاحتياجات الإنسانية، أن تستنفر المجتمع الدولي إلى تقديم العون للشعب الأفغاني برغم سوء الوضع الإنساني في أفغانستان حتى قبل وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس الماضي.
وكان من أبرز ملامح ذلك انعقاد المؤتمر الدولي للمانحين في جنيف في سبتمبر، والذي تعهد بتقديم مليار دولار، مع تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة على أهمية وصول المساعدات، وترافق ذلك مع تعهد قادة طالبان بتسهيل وصول المساعدة إلى الشعب، وحماية عمال الإغاثة، وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية.
وقامت بعض الدول مثل الولايات المتحدة وقطر بتقديم العون، من خلال التنسيق مع المنظمات الأممية كمفوضة اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي.
من جهة أخرى، بقي غياب الاعتراف الدولي بطالبان، والعقوبات المفروضة على قادتها، وتجميد الأصول الأفغانية في الخارج، عائقا أمام وصول النقد اللازم لتمويل العمل الإنساني في أفغانستان، رغم النجاح في توفير ما يقارب 45% من التعهدات، مما دفع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى دعوة الدول الأعضاء إلى السماح بالحركة السريعة وغير المقيدة للإمدادات الإنسانية والأفراد من وإلى أفغانستان، وتقديم إعفاءات مالية إنسانية للسماح بوصول الأموال إلى منظمات الإغاثة في البلاد.
ورغم العوائق القائمة، استمرت بعض المنظمات الأممية، برنامج الغذاء العالمي، منظمة الصحة العالمية، المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين بتقديم العون للمتضررين من الأزمة الإنسانية المستمرة وللاجئين الأفغان في دول الجوار، سواء جويا من خلال مطار كابول الدولي، أو برا من خلال المعابر الحدودية مع الدول المجاورة وخاصة باكستان، كما قدمت بعض الدول مساعدات عاجلة من بينها لوازم للشتاء، وكان لفداحة الوضع الإنساني أن تدفع برئيس الحكومة الأفغانية إلى دعوة المنظمات الإنسانية الدولية لمواصلة تقديم مساعداتها لأفغانستان التي أنهكتها الحروب.
وشهد ديسمبر الماضي انفراجا بموافقة مجلس البنك الدولي على تحويل 280 مليون دولار من مساعدات أفغانستان المجمدة في صندوق إعادة إعمار أفغانستان الائتماني الذي يديره البنك الدولي إلى برنامج الأغذية العالمي واليونيسف، تسلم البنك المركزي الأفغاني أربع دفعات منها، ودخلت الصين والهند وتركمانستان واليابان وبدرجة أقل إيران على خط العون الإنساني بتقديم المساعدات، مع نشاط لبعض المنظمات الخيرية التركية، وداخل الإطار العربي والإسلامي، انعقد مؤتمر القمة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، يؤكد على المساهمة في حشد الدعم الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني وتحسين الأوضاع الاقتصادية، متزامنا مع العون الذي قدمته قطر والسعودية، تبعه انعقاد مؤتمر دول منظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية، والذي أعلن عن إنشاء صندوق إغاثة إنساني لأفغانستان في إطار البنك الإسلامي للتنمية لتوجيه المساعدات إلى أفغانستان بالتنسيق مع أطراف أخرى.
في وقت لاحق، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارا يمهد الطريق أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان، مع منع وقوع الأموال في أيدي طالبان، وبموجب هذا القرار، استثنى المجلس المساعدة الإنسانية والأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات البشرية الأساسية من العقوبات المفروضة بشأن الأفراد والكيانات المرتبطين بحركة طالبان، تبعه قيام مكتب مراقبة الأصول الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأميركية بإصدار أذونات عامة لتسهيل التدفق المستمر للمساعدات الأساسية والدعم للشعب الأفغاني.
وفي مبادرة نوعية، توصلت تركيا وقطر إلى اتفاق مبدئي مع حركة «طالبان» لتشغيل مطار العاصمة كابل، و4 مطارات أخرى في البلاد، لتيسير حركة التنقل والتواصل بين أفغانستان والعالم وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
استمرار بعض العقوبات مع غياب الاعتراف الدولي بطالبان، وعدم كفاية العون القادم مقابل الاحتياجات الفعلية، دفعت قادة طالبان تباعا إلى إطلاق عدة تصريحات، كمطالبة نائب رئيس الحكومة الأفغانية المؤقتة بالإفراج عن أصول بلاده المجمدة في الخارج باعتبارها ملكا للشعب، والتي حظيت بتأييد روسي، ثم مطالبته العالم بأن يدعم الشعب الأفغاني من دون أي تحيز سياسي وأن ينفذ التزاماته الإنسانية، مع تأكيده على أن طالبان على استعداد للمساعدة في توزيع المساعدات الدولية في أنحاء البلاد، وهكذا تراوح مسار الدعم الإغاثي لأفغانستان بين مد وجزر، متأثرا بمواقف الأطراف المختلفة وحساباتها السياسية وكل ذلك على حساب الشعب الأفغاني، وكما قالت الباحثة المختصة في الشأن الأفغاني والإنساني مؤلفة كتاب «بقاء التفاوض: العلاقات بين المدنيين والمتمردين في أفغانستان» Ashley Jackson في مجلة فورين بوليسي: «من الواضح أن الغرب يهدر الوقت مع أن الأفغان لا يستطيعون الانتظار وقتا أطول».
[email protected]