بقلم الناقدة التشكيلية:
د.ريهام الرغيب
[email protected]
من الأعمال الفنية التشكيلية المميزة هناك لوحة فنية جميلة ابدع فيها الفنان الإماراتي محمد يوسف، محتواها قاعة فرشت بالتراب الناعم، وكومة من الاسطوانات الخشبية متعددة السماكات والأحجام تأخذ شكل العصا، متسقة الاتجاه، طليت بدرجات الأزرق والأبيض، تملأ نصف مساحة العمل، يقابلها قطع خف الجمال، وهي أكثر من أربعين قطعة نمطية الإيقاع، تمثل لنا حوار البحر والصحراء.
يرى الفنان ان هناك لغة مشتركة بين الريح في الصحراء والبحر، حيث ارتفاع الموج وانخفاضه وهدوؤه في لقطة عين الطائر في المنظور من أعلى إلى أسفل، تقابلها في الصحراء حركة الرمال وتموجها، وهناك تكديسات طليقة، وتكويمات مرتبة للأخشاب برؤية جديدة بعيدة عن التقليدية المباشرة، واستخدام المواد البيئية الطبيعية مع الاحتفاظ بخواصها كمادة قوى النزعة الطبيعية للعمل الفني، والتخلي من التشكيليات وقواعد ومواد الفن التقليدية وبخاصة فن النحت. شارك الفنان عالميا بهذا العمل مرتين، مرة في باريس (معهد العالم العربي) وأخرى في ألمانيا (بون) بمعرض لغات الصحراء عام 2009.
استخدم الفنان خف الجمل وهي تسير بشكل متعرج متوازية بجانب البحر وهي رد على اللغة المشتركة بين البحر والصحراء، حيث تلعب العوامل الطبيعية دورا كبيرا وبارزا في تواجد لغة حوارية يصعب علينا فهمها ولكننا نشعر بها من خلال الريح والموج وعناصرها الإنسانية والحيوانية، وتلك اللغة المشتركة بين البحر والصحراء تتمثل في التجاوب الكبير فيما يسمى بلغة الموسيقى (السنكوبات) بين الطبيعة والإنسان والحيوان، ويؤكد الفنان إحساسه في اللحظة التي يرتفع بها الموج والريح يتجاوب معها البحارة والنهام محاورين اللغة التي تصدر من الموج،
فيرتفع صوت النهام والإيقاعات والتصفيق بلغة موسيقية متجاورة لتشترك الطبيعة وأصوات الموج مع أصوات النهام والبحارة، فتصل إلى (السنكوبات) والتجاوب فيما بينهما، في اللحظة التي نسمع أغاني البحارة وهي تتعالى في السفينة، هناك شيء من الهدوء النسبي في الصحراء وهي تصل إلى حالة الهارموني فيما بين البحر والصحراء خاصة لغة أقدام الجمال وخفوفها، وأصوات أرجلها على رمال الصحراء مختلطة مع حداء الراكبين على ظهور الهجن (الجمال) وهنا أيضا نوع آخر لفن شعبي بالإمارات بما يسمى (بارزيف) وباستخدام العصي نفسها التي يقودون بها الجمال فيقلدون حركة الجمال وهي تسير بالصحراء حيث يشاهدون الصحراء بشكل أفقي وهم على ظهور الجمال وهي أعلى نقطة، يشاهدون حركة رقبة الجمال وهي تلتفت يمينا ويسارا، خاصة حين تتشابك الأيادي، كناية عن تشابك القبيلة وتشابك أيديهم للدفاع وقت الضرورة في حالة الحروب، والتعاون في وقت السلم.
إذن علاقة الريح في البحر للأمواج، والشراع، والسرعة، ولمعرفة اتجاه تيارات البحر، وفي الصحراء تكون علاقة إنسانية بالفنون الشعبية، وعلى أثرها واتجاهها تبنى الكثير من بيوت الشعر، بحيث تكون مناسبة لاتجاه الريح.
أما الرمل فهو المستمر بينهما في البحر والصحراء، في البحر يبدو كما هو الريح فنشاهد الأمواج، وفي الصحراء نشاهد تموج الرمال كما هي الأمواج، هي من الطبيعة إلى الطبيعة في حركة دائرية في استخدامات خاماتها الأولية وترجمتها إلى ألوان واختصارات رمزية حديثة ولكنها قريبة من عين المتلقي، استحضرت الأشياء بصريا، وهي صورة حقيقية في ألوانها ورمزية في تناولها.
الألوان في البحر والصحراء تحليلية، فالأزرق الداكن (النيفي) يمثل عمق البحر، والأزرق السماوي يعني الاقتراب من الشاطئ، والأزرق المشوب بالأخضر يعني الاقتراب أكثر من الشاطئ وهنا
وهناك ألوان الموج باللون الأبيض دليل على كبر الموجة وصغرها، وارتفاعها. واحتفظ الفنان باللون الخشبي الداكن لتلك الشرائح التي تمثل خفوف الجمال، فالبحر والخفوف على التراب الفاتح أضفت لمسة طبيعية حقيقية تقودنا إلى الإحساس بالطبيعة لحوار جمع بين البحر والصحراء.
الفنان الإماراتي محمد يوسف في سطور
ولد الفنان الإماراتي محمد يوسف في إمارة الشارقة المتميزة في التراث والثقافة، وهي عاصمة الثقافة العربية، ومنذ الصغر كانت تأسره البيئة البحرية وأصواتها، حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة عام 1978 من القاهرة تخصص نحت، وماجستير الفنون من الولايات المتحدة الأميركية عام 2000، أما عن الدكتوراه فكانت من الهند تخصص فنون جميلة عام 2005، وهو فنان تشكيلي وممثل يهوى المسرح، فقد شارك بالعديد من الأعمال المسرحية في فروع الإعداد المسرحي، والتمثيل، والديكور الخاص بخشبة المسرح، أما عن الفنون التشكيلية فله العديد من المشاركات على المستوى العالمي، وهو من مؤسسي جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ومشارك في جميع معارضها منذ تأسيسها عام 1979.
محمد يوسف من الفنانين الناشطين فنيا على المستوى الفني الإماراتي، واعماله يغلب عليها الطابع البيئي البحري، وحصل على العديد من الجوائز المحلية والعالمية.
اسم الفنان:
محمد يوسف
اسم العمل:
حوار البحر والصحراء.
أبعاد العمل:
3 × 4 أمتار
المواد المستخدمة:تراب، أخشاب، أصباغ
سنة الإبداع:
2010