الحديث عن رجل بقامة عبدالعزيز الغنام حديث لا يخلو من الفائدة، لأنها قصة كفاح طويلة كتب الله لها النجاح الكبير، لقد عرفت هذا الرجل واحترمته وأحببته لعصاميته ووفائه ووطنيته، كنت منذ سنين قليلة جالسا عند الساعة العاشرة مساء فإذ بي أسمع رنين هاتفي فنظرت فإذا الرقم سعودي، فتعجبت ثم فتحته، فإذا الذي يكلمني (ابوأحمد) عبدالعزيز الغنام، فرحبت به ودهشتي واضحة، فقال لي: أنا أمام الكعبة شرفها الله ووالله يا مشعل لم يخطر ببالي في هذه البقعة الشريفة رغم كثرة الأصحاب إلا أنت، كأنك تقف أمامي الآن، فدعوت لك من قلبي، فشكرته بحرارة ودعوت له بطول العمر والصحة، عبدالعزيز بن أحمد الغنام علم من أعلام الكويت ورجل اقتصاد من الدرجة الأولى وهو أشبه ما يكون بقول ابن هانئ الأندلسي:
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه
فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهمة العلياء يرقى إلى العلا
فمن كان أرقى همة كان أظهرا
ولم يتأخر من يريد تقدما
ولم يتقدم من يريد تأخرا
هكذا كان ومازال هذا الرجل المتميز، ضمن ثلة رجال تفخر بهم الكويت أولي البصيرة النافذة والسؤدد والرأي الصائب، فهو مدرسة حياة قائمة بذاتها وتاريخ مشرف ذاق الحياة بحلوها ومرها، وبدأ من الصفر إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، ورحلة كفاحه تصلح أن تكون عملا فنيا لكثرة ما فيها من أحداث، فقد عاصر الكويت بماضيها وحاضرها منذ عهد الشيخ أحمد الجابر وحتى عهد صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد أمير البلاد، حفظه الله، ولو سجلنا قصة كفاحه الطويلة لاستفاد منها جيل الشباب ممن يبنون مستقبلهم، وأسرة الغنام الكريمة تعود بجذورها إلى تميم، نزحت من الزلفي إلى الكويت، واستقرت في منطقة قبلة ومن هذا المكان بدأت رحلته مع الحياة، وعلى الرغم من عدم أخذ كفايته من التعليم إلا أنه ذكي، فرسم أهدافه فتوكل على الله وسار بخطى ثابتة وإصرار وعزيمة وثقة بالنفس حتى كتب الله له النجاح، فكان كقول المتوكل الليثي:
لسنا وإن أحسابنا كرمت
يوما على الأحساب نتكل
نبني كما تبني أوائلنا
نبني ونفعل مثلما فعلوا
كان الأجداد يقولون لنا: «بارك الله بمن باع واشترى وبالاخوان الخشرا»، فقد بدأ رحلته بمشاركة أخويه يوسف ومحمد الغنام واخلصوا النية، ففتح الله لهم أبواب الرزق، وقد مرت بحياته دروس وعبر وأسى وفرح، بدأ من وفاة والده وهو في سنين عمره الأولى، فبدأ العمل عام 1946 ليصبح في نهاية المطاف أشهر وأنجح رجال الأعمال، وكانت له بصمات واضحة في الأعمال الوطنية وأياد بيضاء في عمل الخير، ولم يخرج من الكويت أثناء الاحتلال البغيض وكان نعم العون والمأوى في هذه الأزمة لكل من التجأ إليه، وله قصص عجيبة مع جنود الاحتلال يطول شرحها، عبدالعزيز الغنام رجل سام سمو هذه الأرض وأهلها الطيبين، أسأل الله له الصحة والعافية وسيظل خالدا في ذاكرة الكويت.