حديث الناس في الناس منذ خلق الله الأرض ومن عليها، والناس بطبيعتها لا تمل من الحديث حسنا كان أو سيئا، فهو بالنسبة لهم مثل الغذاء الروحي لعقولهم وأبدانهم والدواء لكل داء، فهذه الأحاديث التي يتبادلونها لا تنتهي ولا تقف عند حد، ولا وقت محددا لها، فهم يتحدثون في كل وقت، ويحلو لهم الخوض في غرائب الأخبار ولا مانع من كشف الأسرار، والعجيب حقا أنهم بينما هم في سرد تفاصيل خبر مهم كان شغلهم الشاغل، إذ جاءهم خبر جديد فتركوا الأول ونسوه وكأن لم يسمعوا به وصار ديدنهم الخبر الجديد، يتلقفون الأخبار تلقف الأطفال للكرة.
وهكذا وبشكل يومي بلا كلل ولا ملل، وبما أن الكلام بالمجان وليس عليه رسوم فيجوز لهم أن يتحدثوا بكل شيء دون حواجز، والمشكلة أن أكثر هذه الأخبار التي يتحدثون عنها تفتقر إلى الدقة، والكثير منها غير صحيح، ومع ذلك لا يهمهم صحتها من عدمه على الإطلاق وإنما المهم عندهم الحديث نفسه، ففيه متعة ولذة، خاصة إذا كان معه كوب شاي بالنعناع وفنجان قهوة وقليل من الموالح.
وللأسف ما نلاحظه أن بعض هذه المجالس فقدت أمانتها وآدابها، ولم تعد تلك المجالس التي كنا نعرفها في السابق، فالكلام فيها مباح حتى ينبلج الصباح ويؤذن بحي على الفلاح، فيخوضون في كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة، ولا مانع من إفشاء الأسرار والتعرض للغير في هذه المجالس، فليس هؤلاء الناس ممن وصفهم الله بقوله: (والذين هم عن اللغو معرضون) ولا أخال الملائكة تحف بأجنحتها عليهم، وإنما هم أناس باض الشيطان وفرخ في صدورهم.
فبعض الناس والعياذ بالله ذئاب ترتدي ثيابا لا يتركون أديما إلا ومزقوه ولا عامرا إلا وخربوه، يتشمتون بمصيبة غيرهم وكأنهم سالمون من المصائب، قال جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهبت ريح منتنة فقال: أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين» (رواه أحمد).
إن التشهير بالناس وتتبع أخطائهم وزلاتهم أمر محرم شرعا فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالستر، ومن هتك سترا هتك الله ستره:
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من صريع لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
فضع نفسك مكان من تحدثت عنه بالباطل وقس الأمر تجد نفسك مخطئا، ولا تقل أنا افضل وأحسن فليس فينا من هو خالٍ من العيوب، ودمتم سالمين.