اعتدت سماع الجهات الإنسانية والخيرية وهي تفاخر بشعار التنمية والقروض التعليمية وحجم تدوير المال، وقد تكون محقة في ذلك، بناء على الإمكانيات المتاحة وزيادة تأثير تقاريرها بسطحية الحرص على زيادة عدد المستفيدين أمام ضغط متبرعيها! ولذلك، عندما استمعت لرئيس جامعة برنستون خلال أحد لقاءاته مع خريجي الأعوام السابقة، فيما يعرف بحفلات لم الشمل، استغربت كيف يفتخر الرئيس ببرامج المنح الكاملة والشاملة التي تقدمها للطلاب ويقول «وعندما أقول منح لا أقصد فقط الرسوم وإنما الرسوم والمعيشة وكل التكاليف وشكرا لدعمكم أيها الخريجون السابقون». على الرغم من أن الجامعة تتبنى نهجا غريبا ومختلفا عن بقية الجامعات في استقطاب الطلاب وتمويل تعليمهم، إلا أن هذا النهج الغريب يرتبط بفوائد هامة للجامعة.
قرار جامعة برنستون بتقديم منح دراسية كاملة لثلثي طلابها في البكالوريوس وجميع طلابها في الدكتوراه يعكس التزامها - كجامعة غير ربحية - نحو التعليم وتوفير فرص متساوية للجميع في الحصول على تعليم جيد. وعلى الرغم من أن نسبة القبول في جامعة برنستون تعتبر منخفضة جدا، حيث لا تتجاوز 4% من المتقدمين، إلا أن من يقبل فيها تفتح له أبواب المساندة المالية بشكل نادر أن تجده في غيرها من جامعات أميركية أو ربما عالمية باستثناء جامعات دول الخليج، وفي الوقت نفسه، إذا كان أحدهم على استعداد لدفع مبالغ مضاعفة من الرسوم، فلن تضمن له ذلك مقعدا بالجامعة!
وبهذا النهج، انتهجت جامعة برنستون سياسة عدم القروض كأول جامعة رئيسية تقوم بإلغاء القروض من حزم المساعدة المالية للطلاب واستبدالها بالمنح، بهدف تخرج الطلاب بدون عبء الديون الطلابية الذي لا يخلو منه سوى القليل من كل الطلاب في الولايات المتحدة!
تفتخر الجامعة أيضا بعدم تفريقها في منح الدراسات العليا بين الطلاب الأميركيين والطلاب الدوليين، حيث يقترب عددهم من الثلث من إجمالي الطلاب. وبالإضافة إلى ذلك، تقدم الجامعة منحا شاملة لكل طلاب الدراسات العليا، بمن في ذلك الطلاب الدوليون، بسخاء غير عادي، كما تحدثت عنه في مقال سابق حول قبول طلبة الدكتوراه في جامعة برنستون، ومن جهة أخرى، قد يكون لهذا السخاء بعض التأثير السلبي على بعض الطلبة في عدم القيام ببعض الأعمال التي عادة ما يقوم بها طلبة الجامعات الأميركية. وكما حدثني بعض الزملاء في مركز استطلاع الرأي في الجامعة عن صعوبة إيجاد طلاب لسد الحاجة لبعض الوظائف الشاغرة في جمع البيانات لمشاريعهم، بسبب الوضع المالي المرتفع للطلبة!
هناك جامعات أخرى قليلة قد تتبع سياسة مشابهة لبرنستون في تقديم المنح والاستفادة منها كما جاء في تقرير «Giving USA» إلا أن التبرعات العامة للتعليم بلغت 16% من إجمالي التبرعات المستلمة في الولايات المتحدة خلال عام 2022، وهذه التبرعات بلغت ما يقرب من 71 مليار دولار من إجمالي التبرعات التي بلغت نحو 485 مليار دولار! إلا أن تبرعات خريجي برنستون وتأثيرها على المدى البعيد قد تتجاوز قيمة المنح الدراسية التي تقدمها الجامعة حتى لو ظهرت غير ذلك!
[email protected]