بيروت ـ ناجي شربل وأحمد عز الدين
سريعا استعادت دورة الحياة في بيروت زخمها بعد «اليوم التالي» لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل اليه بين إسرائيل و«حزب الله» بمسعى دولي أميركي ومواكبة فرنسية ـ عربية.
وعلى وقع توجه سيارات خاصة بالنازحين محملة على أسطحها ببعض الحاجات في طريق العودة إلى منازلهم أو ما بقي منها، باشرت السلطات اللبنانية إنجاز استحقاقات خاصة بالمرحلة، في طليعتها تمديد سن الخدمة العسكرية لقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون سنة إضافية بقانون أقر في مجلس النواب أمس، وأفاد منه أيضا كل من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري.
وشهدت الجلسة النيابية العامة، تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري 9 يناير 2025، جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، هي الأولى منذ منتصف يونيو 2023، تاريخ «المنازلة» بين المرشحين جهاد أزعور وسليمان فرنجية. كما باشر الموفد الفرنسي جان ـ إيف لودريان اتصالاته لتحريك الملف الرئاسي العالق منذ 31 أكتوبر 2022، واتصل في هذا السياق الرئيس إيمانويل ماكرون بكل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاني.
وقال مسؤول سياسي رفيع واكب جميع العهود الرئاسية منذ 1982 لـ«الأنباء»: «الملف الرئاسي الحالي قيد التداول بين فريقين، الأول تقوده الولايات المتحدة وفرنسا، وتسعيان إلى إنجاز الاستحقاق سريعا، مصحوبا بتسمية رئيس مكلف للحكومة وتأليف سريع قبل انتهاء مدة الـ60 يوما من اتفاق وقف إطلاق النار. وليس سرا ان هذا الفريق يدعم وصول قائد الجيش العماد جوزف عون إلى القصر الجمهوري في بعبدا، لما يتمتع به من مناقبية وحسن إدارة المؤسسة الوطنية الجامعة».
وتابع المسؤول السياسي: «الفريق الثاني يضم الرئيس نبيه بري وحزب الله ومعارضي العماد جوزف عون وفي طليعتهم التيار الوطني الحر. ويؤثر هذا الفريق التروي ومراقبة تنفيذ المراحل الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار على الأرض، وعودة النازحين إلى قراهم، وضبط الأمن على الأرض وبسط سلطة الدولة اللبنانية على الأراضي التي سينسحب منها الجيش الإسرائيلي. ويرى هذا الفريق وخصوصا حزب الله والتيار، ان قائد الجيش لا يحظى بمواصفات الإجماع ولا تنطبق عليه صفة رئيس غير تحد والتي حددها الرئيس بري. ولا يخفى ان بري يؤثر اختيار شخصية تحظى بإجماع الشركاء وفي طليعتهم حزب الله. وقد عبر الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في كلمته الأخيرة التي تناولت الملف الرئاسي، عن تمايز عن الرئيس بري، بقوله ان الحزب يريد المشاركة في اختيار رئيس من ضمن ما يمثله سياسيا وشعبيا».
وتابع المسؤول السياسي: «الفريق الثاني لا يستعجل سلق الاستحقاق الرئاسي، ولا يعني هذا الكلام تأجيل الاستحقاق فترة طويلة، والدليل مبادرة الرئيس بري إلى تحديد موعد لجلسة انتخاب الرئيس في يناير المقبل. لا بل يسعى هذا الفريق إلى تأمين توافق، يرى انه سينسحب تاليا على الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة والوزراء. وحدد هذا الفريق نيل المرشح الرئاسي أكثر من 86 صوتا لتنطبق عليه صفة الإجماع. ولديه سلة من الأسماء باتت معروفة من قبل الوسط السياسي. ولا بد من الإشارة، وان تفاوتت الردود في هذا السياق، إلى ان حزب الله يعتبر نفسه منتصرا في الحرب الأخيرة، وعليه لن يعطي في السياسة ما عجزت الحرب عن فرضه عليه، وسيتشدد أكثر بالتمسك بحلفائه، وخصوصا بعد تسرع البعض واعتبار ان دوره قد انتهى إقليميا ومحليا، وهذا خطأ كبير، لأن الحزب يشكل الذراع الايرانية الرئيسية إقليميا، ولهذا الأمر حساباته الخاصة، ويدخل ضمن ترتيبات إقليمية ودولية تلعب فيه فرنسا دور الوسيط الأبرز».
وخلص المسؤول السياسي إلى الدعوة إلى التروي في مقاربة الملف الرئاسي، مع تفاؤله بإنجازه مع بداية السنة الجديدة، «وليس في الأسبوعين المقبلين كما روج أركان الفريق الأول».
كذلك كشف وزير فاعل لـ«الأنباء» ان الرئيس بري طرح أمام زواره اسم نائب كمرشح للرئاسة، في حال عدم رغبة الأفرقاء السير بالمرشح الأساسي للرئيس بري، والذي يحظى بدعم من سلطتين دولية ومحلية.
ورأت مصادر سياسية لبنانية لـ«الأنباء» ان «الضبابية التي رافقت اليوم الاول لعودة النازحين إلى الجنوب وتدخل الجيش الاسرائيلي، يعودان إلى وصول النازحين قبل الجيش اللبناني، وهذا أمر كان يجب ان تتنبه له الحكومة اللبنانية، ثم تداركته متأخرة، وبدأ وصول قوة من الجيش بدفعتها الأولى، وبادرت إلى تنظيم حركة السكان للحيلولة دون إشكالات أمنية، بعد إطلاق نار من قبل الجيش الاسرائيلي على نازحين واعتقال بعضهم. وبالتالي فإن مهلة الـ60 يوما التي لحظها اتفاق وقف إطلاق النار يمكن ان تتقلص، اذا ما تمكن الجيش من إكمال مهمته في مهلة أقصر بعد انضمام وحدات جديدة اليه في المناطق الحدودية».
وأشارت المصادر إلى ان رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السماح بعودة المستوطنين إلى المناطق الحدودية، يهدف إلى توجيه رسالة إلى لبنان والدول الراعية للاتفاق، والإيحاء بأن الجيش الإسرائيلي لا يزال في وضع يمكنه من استئناف القتال في أي وقت. وكذلك تأتي خطوة نتنياهو للضغط من أجل تشكيل لجنة المراقبة التي يمكن ان تسهم في تسريع انتشار الجيش اللبناني، والقيام بفرض الأمن وعدم السماح بأي وجود مسلح خارج إطار الشرعية اللبنانية.
وكشفت إسرائيل عن انها استهدفت 12500 هدف على مدى شهرين من الحرب في لبنان، بينها 360 مبنى في الضاحية الجنوبية، الأمر الذي يشير إلى حجم الدمار الذي حصل فيها.
حياتيا، واصل النازحون العودة إلى مناطقهم، فيما آثر البعض منهم الذي فقد منزله ولم يجد مأوى، الانتقال إلى مسكن آخر، سواء بداعي توفير مكان أفضل، أو التخفيف من بدل الإيجار المرتفع الذي طالعه لإيجاد مسكن وقت الذروة من النزوح في بداية الحرب الموسعة.
وتحدث عدد من العائدين لـ«الأنباء» عن هول الدمار، وبينهم وسام ش. الذي فقد منزله ومطبعته في الخيام، بتدمير كلي. وقال: «لم أستطع بلوغ المنزل الأربعاء، اذ يقع في الحي الذي يتواجد فيه جنود العدو، وقد حاولت مع رفاقي الاقتراب، الا ان الجيش اللبناني طلب منا العودة حرصا على سلامتنا (...) وضعت كل مدخراتي في مشاريع ببلدتي الخيام، ومستعد للبدء من جديد، علما أني لم أنم ليلة واحدة خارج بلدتي، الا بسبب ظروف النزوح في الحرب الأخيرة. وأخطط للعودة بتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة لأسرتي».
وفي اليوم الثاني لسريان وقف إطلاق النار، بدا المشهد العام غير خال من بعض هشاشة، إذ لم يغب الطيران الحربي الإسرائيلي والمسيرات والغارات عن بعض بلدات القرى الحدودية في الجنوب، بدءا بإطلاق النار على الأهالي الذين حاولوا الوصول إلى منازلهم على أطراف مدينة بنت جبيل الحدودية، مرورا بإطلاق صاروخ اعتراضي في القطاع الغربي على الحدود وقصف مسيرة لسيارة في قرية مركبا لإبعادها عن المنطقة المحظورة إسرائيليا، وصولا إلى غارتين على منطقة قعقعية الصنوبر في قضاء صيدا وتحليق للطيران الحربي فوق قرى صور.
ولم تغب بدورها بيانات المتحدث بالعربية باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي كتب عبر منصة «أكس»:«تم رصد نشاط إرهابي داخل موقع لحزب الله كان يحتوي على قذائف صاروخية متوسطة المدى في جنوب لبنان. تم احباط التهديد من خلال غارة لطائرات حربية. الجيش الإسرائيلي منتشر في منطقة جنوب لبنان ويعمل ويحبط كل خرق لاتفاق وقف اطلاق النار».