قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن مصر شهدت استقرار الاقتصاد الكلي بصورة ملموسة، حيث لعبت التدفقات الأجنبية الواردة إلى الدولة، بدعم من اتفاقية الاستثمار الإستراتيجية مع الإمارات، دورا محوريا في تغيير المشهد الاقتصادي، مما ساهم في تعزيز الهوامش المالية والخارجية، وإطلاق برنامج الإصلاح المالي.
وأوضح التقرير أن الإصلاحات تركزت مبدئيا على رفع أسعار الطاقة، ما أظهر تأثيرا إيجابيا ملموسا على ضبط أوضاع المالية العامة للبلاد، كما بدأ معدل التضخم في التراجع تدريجيا، بينما أبقى البنك المركزي المصري على سعر الفائدة مرتفعا، مع توقعات بخفضها في المستقبل القريب.
ويتوقع تقرير «الوطني» أن يتسارع النمو الاقتصادي في مصر خلال السنة المالية الحالية (2024/2025) إلى 4% مقابل 2.4% في السنة المالية 2023/2024، والذي لايزال يعتبر دون مستوى الإنتاج الممكن الذي يمكن أن يحققه الاقتصاد المصري على المدى البعيد.
وشهد الجنيه المصري تحسنا ملحوظا في قيمته خلال الفترة الأخيرة، مع السيطرة شبه الكاملة على السوق الموازية، بينما تشير مؤشرات الائتمان وبيانات مؤشر مديري المشتريات، إلى تسارع وتيرة النمو الاقتصادي، وذلك بعد فترة من التباطؤ.
وأشار «الوطني» إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي زاد بالربع الأخير من السنة المالية (أبريل - يونيو للسنة المالية 2023/2024) إلى 2.4% على أساس سنوي مقابل 2.2% في الربع الثالث من العام الحالي، وذلك في ظل تحسن مستويات السيولة بالعملة الأجنبية بعد خفض قيمة الجنيه المصري في مارس.
وخلال الأشهر التي أعقبت الخفض الأولي لقيمة الجنيه المصري استقر سعر الصرف عند مستوى يتراوح بين 48 و49 جنيها مصريا مقابل الدولار، ما ساهم في تقليل الضغوط التضخمية وتعزيز القوة الشرائية للمستهلكين، ونتوقع أن تتسارع وتيرة النمو الاقتصادي بدءا من الربع الثاني للسنة المالية 2024 /2025.
وشهد مؤشر مديري المشتريات لنشاط القطاع الخاص تحسنا ملحوظا، إذ ارتفعت قراءته إلى 50.4 نقطة في أغسطس، مقابل 48.9 نقطة في المتوسط خلال الربع الرابع من السنة المالية 2023/2024، متجاوزا بذلك حاجز الـ 50 نقطة لأول مرة منذ حوالي أربعة أعوام (وان كان قد شهد بعض التراجع لاحقا).
وكان هذا الأداء مدعوما بتعافي الطلب المحلي بالتزامن مع تباطؤ معدلات التضخم، كما انتعشت معنويات الأعمال في ظل توقعات خفض سعر الفائدة، الأمر الذي ساهم في تعزيز النظرة المستقبلية للاقتصاد.
عجز الحساب الجاري
على صعيد آخر، أشار التقرير إلى أن عجز الحساب الجاري في مصر ارتفع بأكثر من 4 أضعاف خلال السنة المالية 2023 /2024 ليصل إلى 20.8 مليار دولار، مقابل 4.7 مليارات دولار في السنة المالية 2022 /2023، نتيجة تراجع صادرات الطاقة بنحو 60% بسبب انخفاض إنتاج الغاز، لاسيما في حقل ظهر البحري العملاق.
كما انخفضت عائدات قناة السويس بنسبة 24% (بما يعادل 2.1 مليار دولار)، نتيجة استمرار التحديات في البحر الأحمر. وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت عائدات السياحة بصورة مفاجئة، إذ سجلت نموا بنسبة 5% على أساس سنوي، على الرغم من تصاعد حدة التوترات الإقليمية.
وتظهر القراءة المتعمقة لتأثير انخفاض قيمة الجنيه المصري على الحساب الجاري بالربع الرابع من السنة المالية 2023 /2024 تأثيرات إيجابية ملحوظة في بعض الجوانب، والتي كان من أبرزها زيادة التحويلات المالية، التي ارتفعت بنسبة 50% على أساس سنوي، نتيجة تفضيل عدد أكبر من المصريين العاملين بالخارج لاستخدام القنوات الرسمية لتحويل الأموال إلى مصر.
كما تحسنت الصادرات غير البترولية، إذ سجلت نموا بنسبة 17% خلال هذا الفترة، وساهمت هذه التطورات في تقليص عجز الحساب الجاري بشكل كبير، لينخفض إلى 3.7 مليارات دولار مقابل 7.4 مليارات دولار في الربع الثالث من السنة المالية 2023 /2024.
خفض أسعار الفائدة
على صعيد السياسة النقدية، قال التقرير إن البنك المركزي المصري أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير، إذ بقي سعر الخصم في الربع الأول من السنة المالية 2024 /2025 عند 27.75%، إلا أننا نتوقع تغيير تلك التوجهات بما يشير إلى اتباع سياسات التيسير النقدي.
وذكر البنك المركزي المصري في بيانه الأخير، أن التضخم سيبقى عند المستوى الحالي (26%) حتى نهاية العام قبل أن ينخفض بشكل كبير في الربع الأول من عام 2025 مدعوما بتأثيرات أساسية إيجابية، الأمر الذي يتسق مع وجهة نظرنا.
ومع انخفاض معدل التضخم، تحولت أسعار الفائدة الحقيقية إلى إيجابية في يونيو، وظلت كذلك منذ ذلك الحين حتى وصلت إلى مستوى 1.5% في الوقت الحالي. ونرى إمكانية خفض لجنة السياسة النقدية لسعر الفائدة في اجتماعها المقرر انعقاده في ديسمبر.
عجز المالية العامة
فيما يخص الميزانية العامة للدولة، فقد كشفت حسابات المالية العامة النهائية للسنة المالية 2023 /2024، عن تسجيل عجز بلغ 505 مليارات جنيه مصري (3.6% من الناتج)، وهو أدنى مستوى عجز تسجله مصر على الإطلاق وأقل بكثير من العجز المسجل خلال السنة المالية السابقة والبالغ 610 مليارات جنيه مصري (7.7% من الناتج).
كما سجل الرصيد الأولي، الذي يستثني فوائد الديون، تحسنا ملحوظا، إذ حقق فائضا قدره 857 مليار جنيه مصري (6% من الناتج). ويعزى هذا التحسن إلى استلام 50% من العائدات الجديدة نتيجة صفقة رأس الحكمة، والتي بلغ مجموعها حوالي 12 مليار دولار.
ومع ذلك يتوقع التقرير أن يتسع العجز في السنة المالية الحالية ليصل إلى نحو 8% من الناتج، أي بما يتجاوز الهدف الحكومي البالغ 7.3%، إلا أن هذا الرقم لايزال أقل من العجز المسجل في السنوات السابقة.
ويعود جزء من اتساع فجوة العجز (باستثناء صفقة رأس الحكمة) الى انخفاض الإيرادات، لاسيما من ضرائب الشركات المرتبطة بعمليات قناة السويس، والتي تمثل نحو 33% من إيرادات ضرائب الشركات و7.8% من إجمالي الإيرادات الضريبية.
التضخم في مصر سينهي 2024 عند 24%
ذكر تقرير «الوطني» أن معدل التضخم حتى الآن يتسق مع التوقعات، إذ واصل اتجاهه الهبوطي، ومن المتوقع أن ينهي العام عند مستوى قد يصل إلى 24% أو أقل، وفي الربع الأول من السنة المالية 2024 /2025، بلغ متوسط التضخم 25.9% على أساس سنوي، منخفضا من 29.4% بالربع الرابع من السنة المالية 2023/2024 في ظل انحسار تأثير خفض الجنيه.
وتعكس ديناميكيات الأسعار الآن التعديلات التي طرأت على الدعم والنشاط الاقتصادي العادي، بينما استمر الاتجاه الهبوطي للتضخم رغم زيادة أسعار الوقود والكهرباء خلال الصيف (يشكلان 4% من سلة مؤشر أسعار المستهلكين). وبالنسبة للسنة المالية 2024 /2025.
ويتوقع «الوطني» أن ينهي التضخم السنة عند 19%، مقابل 34% في السنة المالية 2023/2024. وبانتظار تعديل البنك المركزي الجدول الزمني المستهدف للتضخم إلى الربع الرابع من عام 2025 بدلا من الربع الرابع من عام 2024، نتوقع أن يبقى المستوى المستهدف البالغ 10% قابلا للتحقيق بناء على الديناميكيات الحالية.