كثيرا ما يعقد الناس مقارنات بين الماضي بذكرياته الجميلة والحاضر بواقعه الذي يترك مرارة في حلوق الكثيرين. وينطبق ذلك على الأفراد والجماعات والمجتمعات وكثير من الشعوب والأمم. فالفرد يسيطر عليه دوما الحنين إلى الماضي، فهذا شاب يشتاق إلى جمال ومتعة ذكريات الطفولة، وذاك كهل هاله ذهاب الشباب والشيخ يروعه الشيب ويستذكر دوما ما كان من قوة وفتوة.
أما الأمم فربما يختلف حالها، ذلك أنه ليست كل أمة تحن إلى الماضي بالمطلق، فالشعوب المتحضرة المتقدمة في مرحلة ما لا تحن إلى أيام الرجعية والتخلف. وربما يكون ذلك شأن شعوب الغرب الآن حيث هم الرواد وحملة مشعل الحضارة البشرية بعد قرون من الظلام والجهل، كانت فيها أمتنا العربية الإسلامية في المقدمة بلا أي منازع.
هكذا، لا ينظر الغرب إلى ماضيه نظرة الحالم الراغب في عودته، بل إنهم إذا ما فكروا فيه فإنما يكون ذلك فقط لاستيعاب الدروس والعبر حتى يحافظوا على تقدمهم وما أحرزوه من سبل الرخاء والرفاه. وفي حقيقة الأمر فإن الناظر إلى مستوى التدني والضحالة والتخلف والجهل الذي وصل إليه هؤلاء في العصور الوسطى ربما يدرك أن أمتنا على كل ما فيها من مشكلات ومعوقات للسير نحو الأمام لاتزال بخير والأمل في عودتها موجود لكن بشروط.
أول هذه الشروط هو العمل والتخلي عن ثقافة الاستهلاك الغريبة التي تهدم ولا تبني، فلا مجال لتقدم بلا عمل. يقترن مع هذا المتطلب الأساسي إعلاء قيمة الأخلاق فهي الأساس الذي تقوم عليه أي حضارة. بعد ذلك يأتي دور علاج العيوب الاجتماعية التي تفت في عضد الأمة وهو ما يكون أسهل بعد نشر قيم حسن الخلق.
إن التغني بالماضي لا يغني من عودة أمجاده شيئا، بل السبيل بالتمسك بمقومات الريادة والنجاح، فليبدأ كل منا بنفسه ويصلحها وبأخلاقه فيحسنها وبتعاملاته مع الآخرين لتكون قائمة على الحب والتواد والتراحم، وربما تكون هذه هي فقط البداية.
حسن الختام: قال صلى الله عليه وسلم «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا».
[email protected]
shafeysalama@