اشتعلت الدنيا في الفترة الماضية وقامت ولم تقعد بسبب ما حدث في قلب العاصمة الفرنسية باريس من اعتداء مرفوض ومستنكر ومدان على محرري ورسامي جريدة شارلي إيبدو التي توصف بالساخرة والتي لم يكن 90% أو اكثر ممن يعرفونها الآن قد سمعوا بها أو أدركوا وجودها قبل هذا الحادث.
أما الإدانة والاستنكار فسببهما الرفض التام للقتل وأن يقوم آحاد الناس بمعاقبة الآخرين بأنفسهم على أخطائهم وإلا أصبحت الدنيا فوضى. إن إنزال العقاب على المخطئ مسؤولية قيادات المجتمع وزعمائه والقائمين على العدل فيه لا الأفراد، وعندما يتقاعس هؤلاء عن أداء هذا الدور العظيم، فهنا تكمن مشكلة كبرى.
إن ما حدث في باريس الأربعاء قبل الماضي جرم كبير (ولن أتحدث هنا عن التفسيرات المؤامراتية للحادث والتي نشر بعضها في صحف غربية)، ولكن ما قامت به هذه الصحيفة المغمورة (أو التي كانت مغمورة) من إهانة للإسلام وأهله عندما تعدت على رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أوحى الله عز وجل إليه برسالته لهو جرم عظيم. ولو أن هؤلاء الزعماء الذين تظاهروا رفضا لما حدث أو بعضهم أو حتى واحدا منهم على الأقل وقف موقفا قويا ضد ما أقدمت عليه هذه الصحيفة من سخرية وإهانة لمعتقدات الآخرين، ربما سُدَّ الكثير من الذرائع وأغلق في وجه الفتن أكثر من باب.
أتفهم رفض ما حدث أخيرا واستنكاره، لكن ما استغربه هو تسابق بعض كتابنا ورسامينا في التطرف رأيا والاندماج التام مع الصحيفة الفرنسية حتى أن بعضهم كتب أو رسم مشاركا في هاشتاج «je suis charlie» على موقع «تويتر»، كما تشدق البعض بالدفاع عن حرية التعبير (التي صرح مسؤول فرنسي رفيع بأنه يجب عدم الخلط بينها وبين معاداة السامية!!) رغم أن كاتبا غربيا مثل توني باربر كتب في «فاينانشيال تايمز» أن هذه الصحيفة «غبية وتستفز المسلمين» وهي بذلك «توجه ضربة لحرية التعبير». وهنا أتساءل كيف «تكون شارلي» وأنت تعرف ما أسلفت مما أقدموا عليه من سخرية من ديننا ومن رسولنا الكريم؟ هل هذه هي حرية التعبير التي تدافع عنها؟ إذا عدت خطوة للوراء قبيل الحادث الأخير هل كنت لتقول ذلك؟ أعتقد أن ما حدث، وإن كنا نرفضه بشدة، لا يغير من هذا الواقع العنصري البغيض شيئا.
إن مثل هذه المواقف تتماشى تماما مع سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها العالم مع قضايانا نحن المسلمين والعرب، ثم يعود ويبكي من نتائجها. إنهم يتناسون، مثلا، قيام كيان غاصب معتد أثيم بنهب الأرض وهتك العرض وترويع الآمنين وقتل الأبرياء، ثم يصفون طفلا رمى حجرا في اتجاه دبابات ومجنزرات المحتل بأنه «إرهابي». عندما يأتي هذا من الغرب أو ممن لا يعيشون قضايانا ومشاكلنا ربما يكون مفهوما. لكن ما بال أقوام منا قد تركوا جذورهم وأعطوا ظهورهم للحق وانطلقوا بغير هدى؟
لمحة: عندما أقدم لاعب منتخب أورغواي ونادي برشلونة حاليا لويس سواريز على «عض» لاعب المنتخب الإيطالي كليني في إحدى مباريات كأس العالم الماضي، لم يربط أحد، ولم يكن ينبغي، ان يربط التصرف الخطأ والمرفوض بعقيدته، ولو كان من بني جلدتنا لوصف بـ «الإرهابي». من يرفضون هذا المثال الخفيف أحيلهم، على سبيل المثال لا الحصر، إلى قيام البوذيين في بورما مرارا بقتل المسلمين وحرقهم أحياء وما يتعرض له المسلمون أيضا في أفريقيا الوسطى من مذابح متواصلة دون ذنب اقترفوه. رغم ذلك «الإرهاب» لم نسمع أو نقرأ لأي من هؤلاء «المبالغين» في التضامن مع «شارلي» رأيا أو قولا. لبعض هؤلاء أقول «أنت فعلا.. شارلي».
[email protected]
shafeysalama@