بقلم: شافعي سلامة
في البداية أود أن أوضح أن هذه السطور ليست قائمة على تفسير ما لكنها قراءة شخصية وتدبر لبعض آي القرآن الكريم. ففي رحاب كلماته نجد العبر والدروس، ومن قصصه نستلهم ما يعيننا على فهم وتقبل الواقع.
في قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز الكثير مما يمكن تعلمه، فبعد أن راودت يوسف عن نفسه وحاولت الاعتداء على أخلاقه ومثله العليا واصطدمت بصخرة إبائه وتمسكه بدينه وشكرانه لحسن صنيع سيده ورفضه خيانته، انعقد مجلس السلطة لتقرير كيفية التصرف والبت في أمر الفتى. ورغم وضوح الحق الأبلج وضعف الباطل اللجلج، فقد سادت محاولة إغلاق ملف القضية بأقل الخسائر، وكان ذلك بالطبع على حساب الطرف الأضعف حتى وإن كان الحق معه.
في البداية، عندما شهد العزيز زوجته تطارد يوسف محاولة إغواءه انطلق صوت الباطل في داخلها عاليا ملقيا بالتهمة عليه ومطالبا بسجنه أو عذابه. ورغم أنهما وجداه لدى الباب أي أن الموقف كان واضحا أمامه فإنه لم ينبس ببنت شفة
حتى شهادة الشاهد من أهلها نجد فيها تأثير سطوة السلطة، فعند فرضه افتراضية بدأ بالذي يكون فيه يوسف مخطئا، فقال أولا «إن كان قميصه قُدّ من قبل فصدقت»، كما أنه في نتيجة الافتراض الثاني الذي يكون الحق فيه مع يوسف بدأ في سرد نتيجة الجانية «وإن كان قميصه قُدّ من دُبر فكذبت» وهكذا كان يبدأ بها صادقة أو كاذبة. وهذا إنما يبين أنه رغم رغبة هذا الشاهد في تبيان الحقيقة إلا أن سيطرة الباطل على المشهد تؤثر حتى على الناطقين بالحق.
بالغت امرأة العزيز في غيها بعد أن أتت بنسوة المدينة وأرتهم ما تعانيه من فتنة وسامة يوسف وتوعدته إن لم يستجب لها بالسجن والصغار. لكنه عليه السلام اختار السجن بدلا مما دعي إليه، والعجيب أنه بدا لهم بعد رؤية ملفات القضية أنه يجب أن يسجن بعض الوقت. مكث في السجن بضع سنين بلا ذنب، إلا أن الحق دوما ظاهر على الباطل مهما طال الزمن، فها هي امرأة العزيز نفسها تبرئه عند خروجه بعد تفسيره رؤيا الملك قائلة «الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه»، ليختتم هذا المشهد الرائع المعبر بسنة إلهية تجري على لسان المرأة التي لجأت إلى كل هذا التدليس والكذب لقلب الواقع والوقائع لتلبيس الحق بالباطل. هذا القانون الإلهي الذي لا يتبدل ولا يتغير هو قوله تعالى (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين).