كنت زائرا في مستشفى الرازي لمدة يومين، وفي اليوم الأول لاحظت أن غرف أحد المرضى لا تكاد تخلو من الزوار الذين كانوا يحضرون بالعشرات وبشكل مستمر متواصل منذ الساعة التاسعة حتى انتهاء الزيارة، اعتقد أنه شيخ أو تاجر أو شخصية اجتماعية شهيرة، سألت عنه ووجدت أنه مواطن «من عرض المواطنين»، الأمر الذي استغربت له أنه وكلما ممرت بجانب غرفته كنت ألمح سيدتين الأولى إندونيسية والثانية إثيوبية وأعينهما ممتلئة بالدموع إلى حد البكاء، فضولي ولكوني مقيما في المستشفى لغرض «الديسك» الذي أعاني منه دفعني للسؤال والاستفسار عن المريض صاحب الغرفة رقم 6، ومعرفة السر الذي أحال الجناح إلى ما يشبه سرادق عزاء، خاصة أن كل من دخل يعوده كان يبدو عليه التأثر الشديد.
قررت زيارة الرجل في وقت متأخر منها أكسب أجر عيادة مريض ومنها أروي عطش فضولي عن هذه الشخصية التي كان إدخالها المستشفى كفيلا بأن يضع الحزن في وجوه جميع من يعوده بل ويجعل الدمع يغطي عيون بعضهم بشكل لافت.
المفاجأة أن الرجل والذي كان في الخامسة والأربعين من العمر كان يعاني من عارض غير خطير بالمرة، وكان كل ما يعاني منه هو «عرق النساء» والذي أقعده وجعله غير قادر على الحركة ليومين والأطباء أبلغوه بأنه سيستعيد قدرته على المشي خلال أربعة أيام على أقصى تقدير وأن الآلام ستتوقف تماما.
لم أتمالك فضولي وسألته: عفوا عارض بسيط كهذا وليس بالمرض الخطير لم يدفع كل من يزورك إلى الحزن إلى درجة البكاء فأنت لن تموت بهذا العارض وهو ليس بالعارض الخطير الذي يستجلب الحزن بهذه الطريقة المبالغ فيها؟
ابتسم الرجل وقال: كل من رأيتهم أفراد أسرتي والمرأتان اللتان سألتني عنهما الاثيوبية والاندونيسية هما خادمتان تعملان لدي، أما سبب البكاء فهو أغرب مما تتخيله، وهو أنني العام الماضي حلمت حلما بانني نهاية العام سأصاب بالشلل وأنني وبعدها بيومين سأموت، هكذا رأيت في الحلم، وللأسف أنني رويته لزوجتي والتي بدروها روته سامحها الله لكل من نعرف، بقي أن اقول لك شيئا يجعل كل من عادني حزينا وربما يعتقد أن هذا الحلم سيتحقق، وهو أنني لم أحلم بحياتي حلما يخصني أو يخص أيا من أقربائي إلا وتحقق كما رأيته، وما لاتعرفه أن الأمر الذي جعلني مشهورا بين أفراد عائلتي أنني في يوليو 1990 وقبل الاجتياح العراقي بيومين فقط حلمت أن القوات العراقية تجتاح البلاد وأنهم أعدموا خالي، وهذا كله حصل، وبعدها توالت مثل تلك الأحلام التي يعتبرها البعض رؤى.
خرجت من عند الرجل بعد أن استمعت إلى قصته، وكنت قد طلبت منه رقم هاتفه، وبعد أسبوعين هاتفته، أعني بعد مرور خمسة أيام على اليومين التي رأى في الحلم أنه سيموت بعدهما، ورد علي وسألته بعد أن أطمأننت على صحته: «لم يتحقق حلمك؟» فرد مبتسما: «لا لم يتحقق».
توضيح الواضح: أحيانا من الأفضل لنا.. ألا تتحقق أحلامنا.
[email protected]