لا يوجد عاقلان يختلفان بشأن حيوية الأمن في حياة الأشخاص واستقرار الأمم وازدهار اقتصاداتها ونماء عمرانها، وهو يأتي في الأهمية بعد الهواء فالماء والغذاء، ولا يتأتى بحال للمرء أن يهنأ بشيء إلا وهو آمن مطمئن لا يتوجس خيفة ولا يتوقع ترويعا، وهناك من يفضل التخلص من الحياة عوضا عن أن يظل مروعا شاخصا بصره يترقب، والخوف يدهمه من حيث لا يحتسب، فهو يرى أن الخوف ميتات تتبعها أخريات، والموت إنما هو مرة واحدة، وما قيل آنفا ليس تزيينا للموت بقدر ما هو محاولة لإظهار مرتبة الأمن عند أجناس المخلوقات يتقدمهم في ذلك بنو آدم.
وتعتزم الحكومة البريطانية تقديم مشروع قانون يتيح للمؤسسات الأمنية مراقبة الاتصالات والحركة الشخصية عبر الإنترنت، وبررت الحكومة البريطانية القانون بتزايد المخاطر الأمنية وارتفاع احتمالات التعرض لهجمات إرهابية فكان لابد من تقديمه لمواجهة مثل هذه المخاطر التي تهدد حياة الأشخاص واستقرار الدول على السواء، أما فرنسا فقد ذهبت الى أبعد من ذلك، إذ أعدت الحكومة الفرنسية قانونا يجبر الشبكات الكبرى العاملة في فرنسا كفيسبوك وغوغل وتويتر على رصد الاتصالات المشبوهة وتقديمها للمؤسسات الأمنية متى طلبت ذلك، وهذا القانون مجرد سلاح خفيف إذا ما قورن مع ترسانة القوانين الفرنسية الأخرى التي تراقب كل حركة اتصالات هاتفية وإلكترونية.
لم يكن لهاتين الدولتين وغيرهما من الدول التي تقدس الخصوصية الشخصية وتحفل بالمناضلين لأجلها أن تقدم مثل هذه القوانين التي تتيح الاطلاع على أنشطة الآخرين الهاتفية والإلكترونية لولا غايات ضبط الأمن واستباق منع الهجمات الإرهابية قبل وقوعها، والظن أن هذه القوانين لم تكن لتقدم لولا السعار الإرهابي المحموم الذي لا توجد بقعة في الأرض محصنة من أخطاره وشظاياه، ولو خير عاقل بين أمنه وخصوصيته لاختار الأولى دون أدنى تفكير، فالثانية لا تشكل تهديدا حيويا بالنسبة له على النقيض من الأولى.
عندما نقارن ما بين الأمن والخصوصية فإن ذلك يعني البتة إهمال خصوصيات الآخرين وإتاحة الاطلاع عليها دون ضرورة ملحة تستدعي ذلك حقيقة، وإنما الضرورة تقدر بقدرها دون إفراط ولا تفريط، كما يحسن القول بوضع الضوابط الصارمة والتي لا يمكن الاطلاع عليها إلا لفئة قليلة تجيد حفظ ألسنتها منعا لتداولها ونظر من ليس له الحق في الوصول إليها.
• منعطف: ستبقى الكويت موئل الإعلام المسؤول ومستقر الديموقراطية المنضبطة ومجمع الحرية المتزنة، ولو روج المتآمرون لغير ذلك.
[email protected]