فطر الله الإنسان على حماية مكتسباته المادية أو ما يظنه أحيانا «مكتسبا» وهو في الحقيقة ليس كذلك، ومن الطبيعي أن يحنق المرء إذا ما اقتربت يد نحو قوت يومه وقوت عياله، لكنه قد يقبل ذلك على مضض إذا ما أدرك أنه لا خيار له سوى القبول، فحب المال متجذر في النفس الإنسانية وإن تباين من فرد إلى آخر.
إبان الأزمة المالية العالمية الأخيرة اضطرت بعض الشركات الغربية والأميركية إلى تخفيض رواتب كثير من عامليها، والغريب أن هذه الخطوة قد وجدت ترحيبا من قبلهم، لأن البديل في حالات مشابهة عادة ما يكون تسريح نسبة منهم والإبقاء على بعضهم، ولا ريب في أن خيار التخفيض أيسر من خيار البطالة.
أما في الكويت فالوضع مختلف جدا عما هو عليه في الغرب، فما أن راجت بعض الأنباء الموحية بتخفيض الدعم عن وقود السيارات وخدمة الكهرباء وخدمات أخرى تقدم للمواطنين حتى ضجت مواقع التواصل بالرفض والاستنكار لهذا التوجه، علما ان أسعار النفط - وهو المورد الاقتصادي الوحيد- قد بلغت مستويات منحدرة لا تستطيع معها الإيرادات الوفاء بالالتزامات المالية الحكومية المتكاثرة.
ردة فعل المواطنين الطبيعية النابعة من الطبائع الآدمية متفهمة بل ومتوقعة أيضا، يزيدها في ذلك ما يراه المواطنون من هدر كبير للأموال وبذخ عريض وإسراف غير مبرر في فترة الفوائض المالية، ويردد بعضهم أنهم لم يشاركوا في التنعم بالفوائض المالية فمن الإنصاف ألا يكلفوا غرامة العجز من خاصة أموالهم، كون السلطة التنفيذية لم تحسن إدارة تلك الفوائض مما ترتب عليه هذا العجز الحاصل، ويزعمون أنه لو أحسن استغلال تلك الفوائض لما تم اللجوء لخيارات أخرى مرفوضة من قبلهم.
صحيح ان ثمة هدرا حكوميا ظاهرا للعيان، أكده خطاب صاحب السمو الأمير - حفظه الله- لدى افتتاحه الفصل التشريعي لمجلس الأمة، ويكفي للتوثق من هذه الحقيقة النظر في باب العلاج في الخارج الذي انقلب إلى مؤسسة سياحية وتزايدت أعداد المبتعثين للعلاج بصورة مهولة، لكن أيضا ليس صحيحا أن المواطن لم يتنعم ببحبوحة الفوائض المالية، فالرواتب قد زيدت أكثر من مرة خلال فترة قصيرة مقابل إنتاجية ضعيفة لا ترقى للحصول عليه، كما تم توقيع العديد من عقود المنشآت الخدمية المليارية التي تصب عند اكتمالها في مصلحة المواطن، وبعضها قد اكتمل بالفعل والبقية في مرحلة الإنجاز، فضلا عن المدن السكانية التي يجري إنشاؤها حاليا.
من المؤسف ان يتشبث المعترضون على تخفيض الدعم لوقود السيارات بشبهة مدحوضة لا تبلغ أن تكون حجة إلا لرجل الشارع العادي، ومن العجيب أن يستمسك بها «المثقفون» والمتابعون للشأن السياسي، ومجمل هذه الشبهة أن الدول غير المصدرة للنفط أخذت تخفض من أسعار منتجاته فكيف ترفعها الكويت وهي دولة مصدرة له؟ والفرق أننا نعتمد عليه في الإيرادات بخلاف الدول المستوردة والتي تعتمد على التصنيع في إيراداتها، فإذا انخفض سعره في السوق العالمية فمن المنطقي أن يكون التعويض من الداخل لاسيما أنه يباع في الكويت بأقل من السوق العالمية بكثير، فالنرويج دولة نفطية ومع ذلك فأسعار منتجاته تباع فيها وفقا للعرض والطلب العالميين دون دعم حكومي، الأمر الذي أتاح لها توجيه مداخيله لرفاهية مواطنيها ورعاية بيئتها وتخفيف ازدحام طرقاتها.
لن تكون الكويت استثناء من دول الخليج التي سارعت بتخفيض الدعم عن وقود المحركات لظروف حتمتها الأسواق وعوامل الصراع السياسية في المنطقة، ومن المشين أن ينفق المرء عشرات الدنانير على وجبة غذائية واحدة وبصورة متكررة ثم يستنكف أن ينفق بضعة منها في شراء الوقود الضروري لتنقله لأنه استمرأ الدعم الحكومي له حتى طال عليه الأمد وجعله حقا من حقوقه المقدسة التي يرى مجرد المساس بها خطيئة لا تغتفر.
mohd_alzuabi@