الحديث عن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لغير المختصين غالبا ما يكون وعرا وشائكا، وذلك لأنهم سلكوا طريقا قد زلت فيه الأقدام حتى من قبل بعض الضليعين فيه والذين ظنوا في يوم ما أنهم قادرون عند خوض غماره على النجاة والسلامة، ولذا فمن الحكمة عند الحديث عنهما أو عن العلوم وثيقة الصلة بهما انتقاء الكلمات والتريث في إطلاقها حتى لا تفهم على غير ما أريد لها، فما كان للكلام أن يعود بعد تحريره من مواضعه التي انطلق منها، لاسيما إن كان عبر شاشات التلفزة وأمام الملأ والعامة ممن لا يحسنون إلا فهم العبارات على ظاهرها دون وصلها بالسياق الذي ارتبطت به أو تفسيرها التفسير اللائق حسب ما يقتضيه حالها، هذا القبيل من الكلام أشبه ما يكون بالسير على جرف يوشك أن يهوي بصاحبه إلى قعر سحيق ويودي به إلى عواقب السوء حتى لو كان حسن النية وسليم العبارة، ولله در العربي القائل: «رب كلمة قالت لصاحبها دعني».
الحديث أمام العامة وغير ذوي الاختصاص يحسن أن يكون بعبارات واضحة لا لبس فيها ولا تحتمل سوى المعنى المراد أو ما يقترب منه ولا سيما إن كان متعلقا بما يدينون، وهذا ما افتقده حديث د. شيخة الجاسم على إحدى القنوات الكويتية الخاصة، ومع تسليمنا بمقصودها الذي يسهل استخلاصه من خلال سياق حديثها وهو أن العمل في الكويت قائم على الدستور لا على الشريعة الإسلامية، إلا أن عبارتها الموهمة بفوقية الدستور على القرآن الكريم قد جلبت لها أمورا كانت في غنى عنها بلغت بها حد الدعاوى القانونية، وأطلقت الألسنة لتتفكه وتلوك ما تحمله بين أضلعها من عقيدة، مع العلم أنها هي القائلة في ذات اللقاء أنه لا مجال للمفاضلة ما بين القرآن الكريم والدستور «فلكل مكانه» على حد قولها، ولذا جاء إطلاقها لفظ الخيانة على من يعتقد أن القرآن الكريم أعلى من الدستور إنما كان لبيان حال المعمول به في الكويت وهو الدستور، إضافة إلى ربطها ذلك بالحوادث الإرهابية التي وقعت في الأشهر الفائتة والتي حدثت من منطلق فهم ضال ومنحرف للنصوص الدينية لا لأجل إثبات الخيانة للاعتقاد المجرد من التأويلات الشاذة، وموافقتها في ذلك ليست مطلقة كونها ترى أن الفصل ما بين الدين والدولة هو الأنسب، خلاصة القول ان الدكتورة قد خانها التعبير والآخرون قد أساءوا الفهم، وعلى كل حال فليس بالضرورة تصادم الدساتير الوضعية بالكتب المنزلة على الإطلاق، ففيها التوافق وفيها أيضا الاختلاف، إلا أن مرتبة القرآن الكريم هي أجل وأرفع وأسمى من مقارنتها بالدساتير الموضوعة من البشر التي يعتريها النقص والخطأ والتعديل والتبديل، ولا يتعارض هذا الإيمان بمرتبة التنزيل مع الولاء للأوطان والإخلاص لها، كما لا يتصادم البتة مع الدولة المدنية التي يحكمها القانون الموافق لروح الشريعة، والوصم بالخيانة على المؤمنين بهيمنة القرآن الكريم اتهام جسيم وادعاء عريض ما كان لشخصية أكاديمية قد درست وتدرس الفلسفة أن تطلقه على عواهنه دون تقييده بالفهم الأعوج والمغالي للنصوص الشرعية، إذ عم هذا الإطلاق المجحف مئات الملايين من المسلمين الداعين للسلم والمنادين بالتعايش مع الآخر.
بيان د. شيخة الجاسم بعد لقائها قد وضع النقاط على الحروف، وأبان مرادها دون مواربة ولا غموض، ويا ليتها فعلت ذلك في حديثها لكانت قد منعت جدلا كثيرا، لكن في خضم الزوبعة التي هي الآن بين يدي القضاء تتجلى ضرورة توخي الحذر عندما يتعلق الحديث بالمقدسات وأديان الناس، كما تظهر حكمة التخلي عن المفردات العامة التي تشمل الجميع دون تمييز ما بين البريء والجاني، فتعميم الألفاظ – إجمالا - خطأ محض كما يبرهن عليه العقل والمنطق و«الفلسفة».
mohd_alzuabi@