من المفترض أن يكون الحد الفاصل ما بين النقد الموضوعي ومجاوزته إلى ما هو أبعد مما لا يتسق مع الآداب وقواعد الاحترام بين الأشخاص واضحا للجميع ولا سيما راجحي العقل، أما المزج ما بين الأمرين والنظر إلى انتقاص المخالف باعتباره رأيا يجب أن يأخذ حقه من الإنصات وإرعاء الآذان فهي محاولة لجعل الإسفاف تقليدا متبعا في النقد ووضعه في مرتبة واحدة مع الآراء المعتبرة.
يريد بعض الزاعمين دفاعهم عن «حرية الرأي» و«الديموقراطية» فتح الأبواب على مصاريعها لكل مجاوز للحدود الأخلاقية في التعاطي مع الاختلافات السياسية وغيرها، بل واعتبار الترهات آراء محترمة لا ينبغي التضييق عليها، وكل من استعمل حقه في التوجه نحو القضاء لرد اعتباره فهو عدو للحرية مناوئ للتعددية، وفق زعمهم، ولا يقف الأمر عند حد الدفاع عن الإساءات باعتبارها آراء وإنما التمجيد المقصود لمطلقيها وتصويرهم على أنهم أبطال يجابهون لوحدهم مصادرة الآراء وينافحون عن حقوق الشعوب في التعبير عنها والمجاهرة بها.
دائما ما يكون الابتعاد عن آداب الاختلاف واللجوء للهجة الشارع إشارة أقرب للحجة على ضعف مذهب قائلها فضلا عن قلة الحيلة في حشد العامة حول الفكرة التي يؤمن بها، ولذا يكون الجنوح نحو القسوة في العبارة والاتهامات المجردة سبيلا لفرض الذات وبديلا عن الإقناع والبرهان، ومن ناحية أخرى نجد أن الواثق بفكرته غالبا ما يتسم بالهدوء ويتحلى بالأناة متجنبا كل ما يسيء لشخصه ولما يدعو إليه.
وإن تعجب فاعجب من أناس يتطلعون لحكومة «شعبية» وهم يجهلون أبسط قواعد الحوار مع المخالف ويمارسون الإرهاب اللفظي ولغة الشارع ويسيئون إلى هامات ما كان لهم أن يسيئوا إليها لولا حلمها ورفقها، لكن لما بلغ السيل زباه كان من الحزم ومن أجل الحفاظ على استقرار البلاد وضع نهاية تليق بمن أطلق لسانه وأنامله في التحريض على الإساءات والدعوة إليها.
أحسب أن الرأي المتزن القائم على الإقناع بالمنطق وحسن المعاملة والصوت الخفيض حري بأن يفرض نفسه على الآخرين وإن لم يتفقوا معه، لكنه بلا ريب سيقلل من حدة الخلاف ويقرب الوجهات البعيدة ويجعل من الآراء الأخرى في منزلة الشك والاحتمال بعد أن كانت في مرتبة المبدأ واليقين، ولربما تشبث الخصم برأيه الذي تبين لديه انحرافه عن الصواب لكلمة سوء طرقت آذانه أو لتجهم بدا في وجه خصمه، فالإنصاف عزيز وحظوظ النفس غالبة إلا لمن شملته الرحمة والعناية.
mohd_alzuabi@