«قبل رمضان» هي الجملة الأكثر تداولاً هذه الأيام أو «الترند» بمصطلح السوشيال ميديا، فقبل أي جملة خبرية تسمع: قبل رمضان... ثم تأتي بعدها التكملة، فما الحكاية؟
الحكاية أن الكويتيين لديهم طقوس ترحيبية لاستقبال شهر رمضان الكريم، وهذا منذ تأسست الكويت والحياة البسيطة قديماً وليس بشيء جديد وتقليد طارئ الاستعداد للشهر الفضيل عندنا، كل التجهيزات المؤجلة تنفذ قبل رمضان، إنها هيبته ومكانته.
بالأمس، أو قبل الثورة التكنولوجية والاتصال، نسمع، على سبيل المثال، هذه الجملة تتكرر: (قبل رمضان بخلص «المقلَّط» حق أبونا والعيال)، اليوم، أو بعد الانفتاح في وسائل التواصل والتوسع وسرعة تداول وانتشار المعلومات، صرنا نسمع ذات الجملة: (قبل رمضان بنجهز الديوانية للشباب )، ذاتها التفاصيل، تختلف العصور وتبقى أصالة المجتمع الكويتي ثابتة صامدة، فالهدف واحد وإن تغيرت الأزمان والأساليب والمصطلحات، والرسالة: إن لشهر رمضان المبارك مراسم استقبال دأب عليها شعبنا الذي يعتبر الدين عنصرا رئيسا يجري بدمه، لا ينفصل عنه إلا بالموت.
الكويتي متدين محافظ، منذ بدأت ملامح الوطن بالظهور وقبل الاستقلال، كان يرسل أبناءه ليتعلموا القرآن في «الكتاتيب» على يد الشيخ المؤدِّب، كما يسمى وما زال، مع تغيير في التفاصيل، ذلك لأنه يقوم بدوري التربية والتعليم للطلبة، والتربية أشد من التعليم فهي تمتد لفترة ما بعد الدروس، فالأسرة تلجأ للشيخ إن تمرد ابنها وظهر منه سلوك سلبي وتترك له دور المُربي، وهذا لا يقلل من شأن وأهمية العائلة بل هذا أحد وسائل التنشئة الإيجابية، لأن غالبية الأبناء يتعلقون بمعلميهم ويستمعون لهم ويعتبرون توجيهاتهم مقدسة، ذلك لأن إيجاد القدوات للأبناء هو الغرض من الجلوس للشيخ أو الشيخة، أي تأسيس علاقة ودية قائمة على احترام التجربة والاستفادة من الخبرات في العلم والحياة.
قبل رمضان كان الجميع تحت إمرة توزيع المهام، فتيات العائلة تنفضن المنزل رأساً على عقب من تنظيف وجرد عام للموجودات، بعده توزع الفوائض من ملابس وأوان، رغم قلة الزائد آنذاك لأن كل شيء كان يُشترى بقدْر ويستعمل لحاجة.
قبل رمضان تعلن الأم «الحالة A» من الاستنفار للتعبئة العامة، فالرجال يهتمون بالأمور الخارجية ويشترون المعدات التي تحتاجها النساء لتحسين حالة «الليوان والحوش» وتعديل بلاط النافورة التي كانت بمنتصف البيوت وحولها الحديقة التي تتوسطها «السدرة» وكأنها مظلة تتفيأ بظلها العائلة في القيظ، وتتريض تحتها في الأمسيات، حيث لا تكييف ولا مبرّدات، والنسوة تهتم بالشؤون الداخلية وكانت فترة «قبل رمضان» رمضان بطعم الانتظار والشغف.
مازلت في مراسمه، ولن أتخلى عن فرش البساط الأخضر، نعم الأخضر لا الأحمر، ليطأه رمضان، أفعل ما فعلت جدتي من جرد المخازن وتوزيع الفوائض وتجهيز الأواني «للنقصات»، وما تعلمته من شيختي من جرد القلب من متعلقات الدنيا وتوديع الفائض من العلاقات التي تنقص الإنسان في دينه وتجهيز الروح للتحليق للأعلى للمنافسة على باب الريان.
قبل رمضان أقول للمرأة: «دورك أنتِ هو الأهم في المنزل»، ثقي بأن ليس من يقلدك العيال فحسب، بل حتى أبوهم، فابدئي الجرد الروحي، وأعلني النفير العام للمسير الأغلى في العام، وسيتبعك وطن بأسره.