تعاني مدينة مومباي الهندية من اختناق مروري، مثلها مثل غيرها من المدن حول العالم اليوم، وبسبب الازدحام الشديد عند إشارات المرور، يستخدم السائقون أبواق السيارات بكثرة وعشوائية، حتى وإن كانت الإشارة حمراء وعداد الوقت يشير للمدة المتبقية بالثواني، وكأن الإشارة ستخاف منهم وتتحول للأخضر بسرعة! ماذا عملت إدارة المرور لإجبار السائقين على احترام الناس والكف عن نشر الضوضاء بهذه الطريقة المزعجة؟ قاموا بتركيب جهاز يقيس درجة الضوضاء الصادرة عن أبواق السيارات، وربطوها بعدادات الوقت الخاصة بالإشارات الضوئية، وكلما زادت درجة الضوضاء نتيجة الاستخدام المفرط لأبواق السيارات، كلما زاد وقت الانتظار عليهم.. هكذا حتى وجد السائقون أنفسهم مضطرين لاحترام القانون والتوقف عن إزعاج المارة.
***
يردد كثير من الناس مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تولى الخلافة «لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر؟»، لكنهم يستخدمونها فقط مع كبار المسؤولين، وكأن صغار الموظفين غير معنيين بالأمانة ومخافة الله عز وجل في حقوق البلاد والعباد، ولهذا تجد أحدنا ينتهك كل القوانين ويفرط بكل حقوق المراجعين دون أن يشعر بألم الضمير، لكنه يثور ويهيج إذا صدر ذلك عن مسؤول كبير، ولا أعرف كيف تسللت هذه الثقافة البائسة في نفوس المسلمين اليوم، كيف ربطوا الأمانة وإتقان العمل بالمناصب العليا فقط؟!
***
أحد أهم مصادر تشكل القيم الأخلاقية في المجتمع هو أن يكون هناك قانون صارم يعاقب من يرتكب فعلا مخالفا، فيصبح الالتزام بالسلوك المرغوب «قيمة» أخلاقية يحترمها الجميع.
لدينا خلل كبير في هذا الأمر لا شك، لدينا تخمة في القوانين لكن ليس لدينا حد أدنى من الالتزام بتطبيق تلك القوانين، والعجيب أن الناس الذين يفترض أنهم المستفيد الأول من تطبيق القانون هم عادة أول من ينتهك القانون بل ويطالبون بعدم تطبيقه.. ألم يعترض الناس عندنا على وضع كاميرات المراقبة عند إشارات المرور؟ ألم يعترضوا على ربط الإجازات الطبية بحركة الخروج والدخول للبلاد؟ لماذا يفعلون هذا؟ هل هناك سبب آخر غير أنهم «يريدون» انتهاك القانون دون رقابة ولا محاسبة؟! ثم بعد ذلك نجلس ونتذمر من الفساد والفوضى ونريد أن نصبح مثل أوروبا.. ولكن دون أن نقوم بواجباتنا، نريد «سوبرمان»، رجلا خارقا، «القوي الأمين» الذي يأتي من السماء ويملأ الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا ونحن نحتسي القهوة في مقاهي الأفنيوز! نريد برلمانا قويا أمينا لكننا حين ننتخب نختار ضعيف النفس الذي يخدم مصالحه الخاصة على حساب مصالحنا نحن.. ثم نعود لنتذمر.
***
يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش مخاطبا الشعب العربي المهاجر.. تهاجرون إلى أوروبا هربا من بلدانكم، وهناك ستلتزمون بلبس حزام الأمان، وتضعون مقعدا خلفيا للأطفال، وستقفون في الطابور بكل احترام حتى وإن كان طوله كيلومتر، وسترمون النفايات في أماكنها المخصصة بكل أدب، وستوزعون الابتسامات على الجميع، وستعبرون من الأماكن المخصصة للعبور، وعندما تحصلون على الجنسية الأوروبية، ستنتخبون الأصلح والأكثر كفاءة لتمثيلكم وخدمتكم بعد أن تبحثوا في تاريخه ومنجزاته، ستلتزمون بالقانون دائما هناك، ولو فعلتم ذلك في أوطانكم، لما احتجتم للهجرة!
[email protected]