عندما انطلقت شرارة المظاهرات السلمية في سورية عـام 2011 كانت بحق ثورة شعبية سورية خالصة، جمعت كل أطياف المجتمع السوري على هدف مشترك هو إسقاط النظام الحاكم وتغييره، واستطاع السوريون تشكيل «مجلس وطني» نال ثقة معظم دول العالم ودعمهم، واستطاعوا انتزاع مواقف سياسية مهمة على رأسها إعلان معظم الدول سقوط شرعية حكم بشار الأسد.
كانت الأمور إلى هنا تسير بشكل جيد، وكان السوريون هم من يقود الميليشيات العسكرية السورية التي تشكلت من الضباط والجنود المنشقين عن الجيش الوطني السوري.
لكن.. بعد سماحهم لعناصر وميليشيات القاعدة والنصرة وفرق «الجهاديين» القادمين من كل صوب وحدب، خرجت الأمور عن نطاق السيطرة، وتحولت الثورة الشعبية إلى حرب أهلية وصراع على السلطة والنفوذ، ومع تزايد عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب وتدمير المواقع الأثرية بحجة الجهاد، فقدت الثورة الشعبية شرعيتها وبالتالي التعاطف والدعم الدولي معها، وأصبحت المسألة صراع محاور سمحت لإيران ثم روسيا بالتدخل، ثم الولايات المتحدة وتركيا وغيرها، وانتهى المطاف بتحويل سورية إلى ساحة قتال دولية لم يعد فيها للسوريين موطئ قدم ولا قرار.
لقد استطاع السوريون في بداية الأمر تحرير معظم الأراضي السورية من قبضة النظام، ولكن دخول القاعدة على الخط ثم انشقاق أعضائها وتشكيل ميليشيات متعددة تتصارع فيما بينها على الزعامة، ثم دخول «داعش» الذي غيّر كل الحسابات وعبث بكل الموازين، أفقد الشعب السوري أي فرصة أو أمل في الانتصار، حتى تراجعت مكتسباتها واستطاع النظام السوري الحاكم استعادة معظم المناطق المحررة والسيطرة على مفاصل البلاد، لم يعد أمام السوريين سوى الاعتراف بفشل ثورتهم الشعبية وانحرافها عن مسارها، وفي ظل تحول كثير من الدول التي هاجمت بشار الأسد ونظامه وسحب الاعتراف بشرعيته في البداية، إلى مواقف عكسية تنادي بعودة الاعتراف والعلاقات معه، وفي ظل ما يشهده الشعب السوري الشقيق من معاناة وتشرد، تصبح إعادة الحسابات ومحاولة الدخول في حوار مباشر مع النظام والسعي لاتفاق عودة وإجراء إصلاحات بدلا من المطالبة بسقوط النظام حلا واقعيا، فالبديل الوحيد على الأرض هو استمرار الحرب الأهلية والتشرد في العراء أو اللجوء في مخيمات اللاجئين البائسة هنا وهناك بلا أمل في العودة.
الخطاب المثالي لن ينتج أي حلول، المعارضة السورية فقدت قوتها منذ فترة طويلة، وما يجري في سورية لا علاقة له بالشعب السوري على الإطلاق، ولم يبق أمام السوريين سوى الاتفاق على حل وسط ينبني على مشروع مصالحة وإصلاحات حقيقية بعيدا عن مشروع إسقاط النظام، فالنظام لن يسقط في ظل الوضع الراهن، انه أمر مؤسف ولكن هذا هو الواقع، السوريون أخطأوا عندما سمحوا للميليشيات الخارجية بالتدخل في شؤونهم واختطاف ثورتهم من أيديهم والعبث بمستقبلهم، فالقاعدة وداعش وأمثالهما من التنظيمات الجهادية لا تحسن البناء ولا تقيم وزنا للسياسة الدولية، هم لا يحسنون سوى القتل والاغتصاب وتدمير الآثار وأن يقتلوا بالآلاف، فلا قيمة لأرواح البشر عندهم في ظل خطاب رجعي متخلف يعيش في وهم.
على المستوى الشخصي أتعاطف بلا شك مع الشعب السوري وأتمنى أن تنتهي مأساتهم وتتوقف الحرب الدائرة في بلادهم وأن يعود اللاجئون لوطنهم وأن يبنوا دولتهم ويعيشوا بحرية وكرامة، ولكن الواقع السياسي له حسابات أخرى، وسقوط النظام ليس بالضرورة الحل السحري، فالأغلب أن السوريين كانوا سيدخلون في حرب أهلية وصراع على السلطة كما حدث في ليبيا.
[email protected]