يقول الفيلسوف الألماني الكبير فريدريش نيتشه: ما لا يقتلني، يقويني.
لا شك أن انتشار فيروس كورونا الجديد (كوفيد ـ 19) قد أربك العالم كله، ضرب فجأة ولم تكن الدول والحكومات مستعدة لمواجهة خطر شامل كهذا، ولذلك من الطبيعي أن تشهد حتى الدول المتقدمة حالة مفزعة من الارتباك والتشتت، وها نحن نشاهد حالة من الشلل أصابت كثيرا من المصانع والأعمال وتراجعا حادا في نشاط كثير من الشركات، خاصة شركات الطيران التي أصيب معظمها بخسائر فادحة نتيجة تعطل الرحلات.. انه درس كبير ومهم للبشرية كلها، فيروس مجهري أصاب العالم بالشلل والرعب، فكم يبدو عالمنا هشا، وكم يبدو الإنسان ضعيفا.
***
في الكويت، نشيد بداية بجهود الفرق المتخصصة وجميع العاملين في مختلف القطاعات على ما بذلوه من جهد طيب لمواجهة هذا الخطر، خاصة الأطباء والممرضين ورجال الأمن، فهم خط الدفاع الأول الذي يتعامل مع المرضى وحشود المراجعين في الوقت الذي نتجنب نحن ذلك خوفا من الإصابة، فتحية تقدير كبيرة لهؤلاء الأبطال الذين يواجهون الخطر لحماية المجتمع.
في المقابل.. ننتقد مظاهر الخلل والتقصير التي لاحظها الجميع، ليس من باب التذمر والاتهام، وإنما بهدف المراجعة والتعلم من الأخطاء وتعديل المسار للأفضل، ومنها بشكل خاص تدخل بعض أعضاء مجلس الأمة في قرار الحجر على المسافرين العائدين من بعض الدول الموبوءة، فالأمر هنا فني بحت ولا يجوز التكسب السياسي في مثل هذه الأحوال، كما أن تدخلهم ساهم في إثارة فتنة طائفية نحن في غنى عنها.. الأمر واضح ولا يحتاج لعنتريات فارغة، ثمة وباء يجتاح العالم، والفيروس ليس موجها ضد فئة دون أخرى.
من الأخطاء أيضا تراجع مجلس الوزراء عن قرار اشتراط شهادة خلو من المرض للعائدين من بعض الدول، فالتراجع بحد ذاته يسيء للحكومة ويزعزع ثقة المواطنين في قدرتها وكفاءتها، والتراجع في هذا القرار بالذات عرض الكويت وأهلها والمقيمين فيها لخطر مضاعف ما كان ينبغي أن يحدث.
لدينا أيضا خلل واضح في نقص المواد اللازمة لمواجهة خطر انتشار الفيروس على نطاق واسع، مثل نقص مواد التعقيم والكمامات وإن كان كثير من الخبراء يؤكدون أن الكمام يحتاج اليه المصابون والمتعاملون معهم فقط، ولكن نقص مواد التعقيم كشف لنا بوضوح حاجة البلاد لتطوير الصناعات الأساسية، فمن غير المعقول الاعتماد كليا على الاستيراد في كل شيء.
كذلك شهدنا جهودا طيبة من قبل القائمين على وزارة التجارة في مراقبة الأسعار، ونتمنى منهم تكثيف جهودهم والتعامل بحزم مع من يستغل حاجة الناس في هذا الظرف الصعب، فقد قفزت أسعار سوائل التعقيم والكمامات والأدوية في بعض المحلات والصيدليات بشكل جنوني وفاجر، يجب وقف ذلك من التجار أنفسهم قبل غيرهم، لأن تحول المرض إلى وباء بسبب نقص المواد وعدم قدرة الناس على شرائها سيحول المرض إلى وباء سيقضي على تجارتهم كلها.
***
أخيرا.. الأزمة لا تزال في بداياتها، والعالم كله مرتبك كون الفيروس جديدا ولا يوجد له علاج أو لقاح حتى الآن، وأكثر التقارير تفاؤلا حتى الآن تتحدث عن احتمال اكتشاف علاج للفيروس في شهر يونيو أو نهاية العام، وبالتالي الأمر يحتاج الى وقفة مراجعة وتقييم جادة لكل الإجراءات، والعمل على تلافي الأخطاء السابقة وتصحيح المسار والأهم من ذلك وضع خطط عملية استعدادا للأسوأ، على الحكومة أن تفترض الأسوأ وتستعد له. اللهم نسألك أن تحفظ الكويت وأهلها وسائر البلدان والبشر.