بيروت: من المطالبة بإعلان حياد لبنان الى المطالبة بتدويل «أزمة» او «قضية» لبنان، مسافة أشهر تعمقت في خلالها الأزمة وحالة الانهيار الشامل وترسخت لدى البطريرك بشارة الراعي القناعة بأنها باتت خطيرة وترقى الى مستوى أزمة وجودية ومصيرية، وأن الحلول الداخلية لها الأزمة سقطت ولم تعد ممكنة، ما يؤكد أن الإنقاذ لا يأتي من داخل لبنان وإنما من خارجه، وان الوضع يتطلب «تحركا إنقاذيا عاجلا» ولم يعد يحتمل مزيدا من الانتظار الثقيل والمراوحة القاتلة.
قبل أشهر وفي معرض إطلاق دعوته إلى «الحياد» ألمح الراعي الى «التدويل» عندما طلب من «الدول الصديقة الإسراع إلى نجدة لبنان، كما كانت تفعل كلما تعرض الى الخطر». وطلب من «الأمم المتحدة» إعادة تثبيت استقلال لبنان ووحدته وتطبيق القرارات الدولية وإعلان حياده. أما اليوم فإن الراعي ذهب في موقفه الى المزيد من الوضوح والتصعيد، داعيا إلى تدويل الملف اللبناني قائلا: «ان وضع لبنان المنهار يستوجب ان تطرح قضيته في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة يثبت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان ونظام الحياد وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته، وتضع حدا لتعددية السلاح، وتعالج حالة غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات، وتسد الثغرات الدستورية والإجرائية، تأمينا لاستقرار النظام، وتلافيا لتعطيل آلة الحكم عدة أشهر عند كل استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة». وأرفق الراعي دعوته بموقفين: الأول شجب اغتيال لقمان سليم، معتبرا انه اغتيال للرأي الآخر الحر ودافع جديد لوضع حد لكل سلاح متفلت يقضي تدريجيا على خيرة وجوه الوطن. والثاني التحذير من ان الشعب سيثور من جديد وسيحاسب ويطالب بحقوقه.
دعوة الراعي الى تدويل الأزمة اللبنانية لا تأتي من فراغ وإنما تعكس وضعا يتطور ويتفاعل سلبا منذ أشهر في اتجاه الأسوأ. وأنتج، من انفجار بيروت الى اغتيال لقمان سليم، حالة من القلق العام واليأس من الحلول والمعالجات الداخلية والطبقة السياسية الحاكمة فارتفعت أصوات مطالبة بالتحقيق الدولي او «الوصاية الدولية» ووضع يد الأمم المتحدة على الوضع برمته بما في ذلك توسيع مهام ونطاق عمل القوات الدولية. حتى ان هناك شخصيات وقوى سياسية معارضة تجاوزت الحلول الداخلية غير الممكنة والدعوات العقيمة الى مؤتمرات حوار وانتخابات مبكرة في ظل ميزان قوى غير متكافئ، وذهبت، في ظل عدم قدرة اللبنانيين على حكم انفسهم، الى المطالبة بتدويل الوضع اللبناني، الى جانب تزخيم حركة الثورة وتعرية الطبقة السياسية، كحل وحيد وعن طريق:
٭ وضع القرارين 1559 و1701 تحت الفصل السابع.
٭ وضع لبنان تحت الانتداب الدولي وفق الفصل 12 و13 من شرعة الأمم المتحدة.
٭ تشكيل سلطة عسكرية - مدنية مؤقتة تعمل تحت إشراف الانتداب الدولي فتعلق الدستور وتكافح الفساد وتطهر المؤسسات وتوفر الظروف الملائمة لإنتاج طبقة وسلطة جديدتين.
مما لا شك ان دعوة بكركي الى «التدويل» وفي إطار موقف تصاعدي وتصعيدي متدرج، تلقي حجرا في المياه السياسية الراكدة وتتوخى الضغط والدفع باتجاه الإسراع في تشكيل الحكومة تلافيا لمسارات «انهيار وتدويل». ولكن هذه الدعوة التي تنقل الأزمة من مستوى أزمة اقتصادية اجتماعية الى مستوى أزمة وطنية، تساهم أيضا في تعميق حالة الانقسام والفرز الداخلي بين مؤيد متحمس، ومرحب متحفظ، ورافض مشكك. أما الرفض فيأتي بشكل خاص من حزب الله وفريقه الذي يعتبر ان آثارة موضوع التدويل وقبله الحياد يشغل اللبنانيين بطرح عقيم خارج اهتماماتهم واحتياجاتهم الحالية ويعيدهم إلى البحث في ماهية الكيان اللبناني ودوره وموقعه. هذا الفريق يربط بين السياسة الدعائية التي تعمل على شيطنة حزب لله وتحميله مسؤولية انهيار الدولة والاقتصاد وبين الطروحات الداعية الى التدويل التي تؤسس لأرضية صراع وانقسام داخلي مسهل لاختراقات إقليمية ودولية.