عملية إعادة الإعمار في سورية صعبة ومعقدة، ليس فقط بسبب كلفتها العالية، وإنما بسبب الشروط والظروف السياسية المحيطة بها، إذ إنها مشروطة بالحل السياسي وإعادة بناء النظام والدولة في سورية، وبما يوحي بأن أوان إعادة الإعمار لم يحن بعد، وهذه ورقة تفاوضية لم تدخل بعد حيز التنفيذ، ذلك أن من أحرز تقدما ميدانيا في الحرب لا يمتلك القدرة على إعادة الإعمار.
ومن يمتلك القدرة المالية على تمويل إعادة الإعمار لن يقدم على هذه الخطوة من دون شروط سياسية وتسوية للأزمة.
عملية إعمار البنى التحتية لا يمكن أن تتكفل بها روسيا وإيران اللتين تواجهان ضغوطا اقتصادية ومالية متفاوتة الحجم والحدة. أما الدول الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.) فإنها لن تشارك في استثمارات إعادة الإعمار في سورية ما لم يحصل اتفاق على مرحلة انتقالية والتوصل إلى حل سياسي في البلاد.
الخارجية الأميركية قالت بأنه «يتوجب على جميع الأطراف المعنية اتباع الطرق السياسية، وأن من السابق لأوانه أي حديث عن إعادة إعمار سورية في ظل غياب الحل السياسي هناك».
ألمانيا، بدورها، حسمت قرارها فيما يتعلق بمساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن المساهمة في إعادة إعمار سورية، معتبرة أنه أمر سابق لأوانه، ويجب أن يسبقه اتفاق سياسي أولا ينهي الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات.
أما بريطانيا، فلن تدعم عملية إعادة إعمار سورية إلا بعد حدوث انتقال سياسي «بعيدا عن الأسد».
وكان وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون قد قال في وقت سابق: «نعتقد أن السبيل الوحيد للمضي قدما هو تحريك عملية سياسية، وأن نوضح للإيرانيين والروس ولنظام الأسد أننا نحن، المجموعة التي لها الرأي نفسه، لن ندعم عملية إعادة تعمير سورية قبل وجود عملية سياسية.
وهذا يعني كما ينص القرار ٢٢٥٤ انتقالا سياسيا بعيدا عن الأسد». وهذا الحاجز الدولي الذي وضعه الأوروبيون والأميركيون أمام التمويل من دون تسوية سياسية للأزمة، يحاول النظام السوري الالتفاف عليه، إذ قال الأسد في وقت سابق إن بلاده ترفض مشاركة دول أوروبية وغربية في إعادة الإعمار، مؤكدا أنها ستعتمد أساسا على دعم «الدول الصديقة».
تتفاوت التقديرات حول تكلفة إعادة الإعمار في سورية.
البنك الدولي قدر في ٢٠١٧ تكلفة الخسائر الناجمة عن النزاع بـ ٢٢٦ مليار دولار أميركي (١٨٣ مليار يورو)، أي ما يساوي ٤ أضعاف إجمالي الناتج الداخلي قبل النزاع.
وتستثني تلك التقديرات الدمار الذي لحق بالبنية الصناعية، إذ تقدر بعض الجهات أن الدمار الذي صار للمدينة الصناعية في حلب وحدها يناهز الـ ١٥ مليار دولار، في وقت تعرضت عشرات المستشفيات والمرافق الطبية ومئات المدارس للتدمير الكلي أو الجزئي.
وبالتالي، لا توجد حتى الآن دراسات دقيقة ومتكاملة عن حجم الدمار في سورية وتكلفة إعادة إعمارها، نظرا لاستمرار العمليات العسكرية من جهة، وتعدد أشكال وأسباب الدمار من جهة أخرى، وكل ما يجري تداوله هو تقديرات لناشطين أو هيئات سياسية أو هيئات ذات مصلحة لتحقيق أهداف بعينها.
التقديرات الروسية تفيد بأن تكلفة إعادة الإعمار تقدر ما بين ٢٠٠ و٥٠٠ مليار دولار، وأوضحت أن السلطات السورية تمنح الأولوية للشركات الروسية في هذا المجال.
أما اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة في بيروت، فقالت إن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سورية تصل إلى ٤٠٠ مليار دولار.
وبحسب التقرير النهائي للجنة، فإن الرقم يشمل حجم الدمار في سورية فقط، ولا يشمل الخسائر البشرية، والمقصود بها الأشخاص الذين قتلوا خلال المعارك، والأشخاص الذين نزحوا وهجروا من منازلهم.
ومعلوم أنه تعرضت ٩ محافظات بمدنها وأريافها للدمار من أصل ١٤ محافظة في سورية، تتصدرها محافظة ريف دمشق ومدينة حلب (في محافظة حلب) من حيث الدمار الكبير، وما يذكر أن نسبة الدمار تتفاوت بين محافظة وأخرى.
إذ تعرضت أحياء كاملة للدمار الكلي في مدينة حمص ومدن وضواحي محافظة ريف دمشق ومدن وبلدات محافظات درعا وإدلب ودير الزور.