حسام الدين عيسى بن سنجر - شاعر من شعراء القرن الرابع الهجري، وبذلك فهو متأخر عن الشعراء الأوائل.
ولكنه قال شعرا جميلا حسن الديباجة. محبب الى نفوس قارئيه. وله عندنا في الكتاب معجبون ومحبون وسوف نبين فيما بعد أسباب ذلك. ولكننا بصفة عامة نقول إن شعره اللطيف الذي يحرص فيه على أناقة اللفظ وحسن المعنى من أهم ما جلب الناس إليه، وجعلهم يقبلون على شعره. وديوانه مطبوع في أكثر من طبعة منها الطبعة التي هي بين يدي الآن، وقد طبعتها ونشرتها المكتبة الاسلامية في البحرين - المنامة، وأراها طبعة لا بأس بها. نسقت شعره وشرحت بعض معانيه، وجعلت له فهرسا ملائما. وهدانا محقق هذه الطبعة الأستاذ محمد سويد الى معلومات كثيرة عن الشاعر أوردها في المقدمة الضافية التي قدم بها للديوان، ففيها بيان شاف عن حياة الشاعر، وعن شعره، والظروف التي عاش فيها، والناس الذين له علاقة بهم مع التمثيل من شعره لكل ذلك مما أضفى على المقدمة قيمة لا بأس بها. هذا الشاعر الرقيق جرى التعريف به في عدد من الكتب التي تخصصت في أخبار الشعراء والأدباء، ومنها كتاب: «وفيات الأعيان من أنباء أبناء الزمان» لابن خلكان، وهذا الكتاب يمثل موسوعة ضخمة ضمت عددا كبيرا من الرجال، قام الدكتور إحسان عباس بتحقيقه، وطبعته دار الثقافة في بيروت، وكان قد طبع من قبل، ولكن لهذه الطبعة تميّزها من حيث حرص المحقق على عمله، وذلك بفضل ما جبل عليه من دراية وإحاطة بمثل هذا الموضوع الذي حققه.
قال ابن خلكان عن حسام الدين الحاجري:
«وهو جندي من أولاد الأحفاد، له ديوان شعر تغلب عليه الرِّقة، وفيه معان جيدة، وهو مشتمل على السعر والدوبيت والمواليا. وقد أحسن في الكل مع أنه قل من يجيد (غيره) في مجموع هذه (الفنون) الثلاثة، بل (إنَّ) من غلب عليه واحد منها قصَّر في الباقي. وله أيضا (كان كان)، وفيه مقاصن حسان».
وبعد أن تحدث ابن خلكان عن ذلك أورد عددا من أسماء الكتب التي ذكرت الحاجري. ثم أضاف: «وكان صاحبي، وأنشدني كثيرا من شعره».
ويستمر في الحديث عن صاحبه فيقول: «وكنت قد خرجت من أربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة، وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه بعد أن كان حبس في قلعة أخرى، ثم نقل منها، وله في ذلك أشعار أول ما جاء من أبياتها قوله:
قيدٌ أُكابده وسِجْنٌ ضيِّقُ
يا ربُّ شابَ من الهموم المفرقُ
ويواصل ابن خلكان فيقول:
«ثم بلغني بعد ذلك أنه خرج من الاعتقال واتصل بخدمة الملك المعظّم مظفر الدين.. وتقدم عنده، وغيّرَ لباسه، وتزيّا بزي الصوفية، فلما تُوفي مظفر الدين سافر عن أربل ثم عاد اليها، وصارت في مملكة المستنصر بالله. وأقام الحاجري هناك فترة من الزمن وهو يحس أن وراءه من يقصده بشر، فاتفق أن يخرج يوما من بيته قبل الظهر فوثب عليه شخص وضربه بسكين، وتركه وهو يكابد الموت. ثم توفي في يومه.
وممن ذكر الحاجري ابن سعيد في كتابه: «المقتطف من أزاهر الطُّرَف، وذكره - أيضا - صفي الدين الحلّي في كتاب: «العاطل الحالي»، ولهذا الشاعر كتابان مخطوطان هما: «مسارح الغزلان الحاجرية»، و«نزهة الناظر وشر الخاطر»، وهما مفقودان لم يعثر عليهما أحد.
وهكذا نلاحظ أن أكثر الكُتَّابِ حديثا عن الحاجري كان بن خلكان، وهو صديقه كما يقول.
وابن خلكان هو قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان، واسمه الكامل أحمد بن محمد بن ابراهيم بن خلكان. ولد في سنة 618هـ، ودرس العلوم العربية والدينية في مقر مولده مدينة أربل القريبة من مدينة الموصل.
ذكر عنه أنه كان رجلا فاضلا جليلا، حسن الفتاوى، له بصر بالعربية، ودراية بالشعر ونقده، والادب والاخبار. وكان ينال احترام الجميع وتقديرهم.
وله شعر جيد، ومشاركة لشعراء عصره في تبادل الأشعار.
وكتابه «وفيات الأعيان» كتاب مهم يتناول سير عدد كبير من الرجال فيهم الرؤساء والأدباء، والشعراء وعدد من رجال عصره أو من سبقهم بزمن. والكتاب كبير الحجم اهتم الأستاذ الدكتور إحسان عباس بتحقيقه ونشرته دار الثقافة ببيروت. في سبعة مجلدات لحقها مجلد ثامن ضمن فهارس متنوعة مفيدة.
وقد انتفع محقق ديوان الحاجري كثيرا بما ورد عن الشاعر في كتاب «وفيات الأعيان» ولكنه اختصر كثيرا من الأمور التي تحدث عنها ابن خلكان وأخطأ في بعض الأحيان في النقل منه. ومن أخطائه التي لابد من ذكرها في هذا الموضع ما قاله عن حياة حسام الدين الحاجري فيما ما رواه عن ابن خلكان من أنه خرج من أربل في سنة 626هـ، وكان هذا القاضي سجينا لسبب ما. ثم يقول في ص7 من الديوان عن ابن خلكان: «ثم توفي بعد ذلك من يومه في يوم الخميس ثاني شوال سنة اثنين وثلاثمائة وستين».
والواقع أن المذكور في «وفيات الأعيان» هو أن وفاته كانت في اليوم التالي من شهر شوال السنة 623هـ على خلاف ما جاء في مقدمة الديوان تماما.
***
أشرنا فيما مضى الى أن شعر الحاجري متنوع من حيث الأغراض الشعرية ففيه الغزل والمديح والهجاء، وفيه ذكر حاله وهو سجين. وغير ذلك.
وهو متنوع من حيث البنية الشعرية ففيه المواليا والدوبيت والكان كان. وهذا تفسير وتمثيل لذلك:
1 - المواليا: نوع يدخل في بناء الشعر الشعبي (العامي) كانوا يتغنون به، وفيه نغم من نغمات الحزن، ولعله هو الذي يقال له موال، وجمعه مواويل. وهو عندنا الزهيريات، وقد تحدثنا عنه فيما مضى، وذكرنا طريقة نظمه، ومما قاله الحاجري على هذا النمط قوله:
غير المحبة بقلبي ما زرعتو قط
طرح الجفا ما لو عليَّ خط
الى من أرفع شكاية ناظره المشْتَط
يا حاجبُه هو يجي العارض ويقرا الخط
وقوله:
ما ضركُمْ لو بطيب الوصل حليتم
عندي، وعنيْ وثاق الذل حليتم
من بعد ما في صميم القلب حليتم
قتلي، وسفك دمي كيف استحليتم
وهنا نلاحظ أن المواليا التي قدمها لنا الحاجري تتصف بصفتين هما تماثل قوافي الاشطار الأربعة، ودخول بعض الألفاظ العامية عليها.
2 - الدوبيت: ومعناها بيتان. وهذا النمط يقوله الشاعر بحيث يستوعب مراده كله في بيتين ثم ينتقل الى بيتين آخرين غيرهما:
ومن مثال شعر الحاجري في الدوبيت قوله:
طيف لك زائري جميل الوصف
قد صار لكثرة التداني إلفي
ما أسعدني وقد تمتعت به
لو صُبَّ عليَّ نوم أهل الكهف
وقوله:
مازلت عليه في الكرى محتالا
حتى جاءني خياله مختالا
لولا فزع من رقدة تفجعني
في النوم، إذا قمت له إجلالا
وبهذين المثلين يتضح الميل الى العامية، ولذلك اشتهر شعره هذا بين الملاحين في نهر دجلة، لأنه قريب الى فهمهم، وإلى الأشعار العامية الأخرى التي يقومون بترديدها أثناء عملهم.
3 - الكان كان: هو نوع من أنواع الشعر العامي نسب إليه، ولم أجد له مثالا في الديوان.
وهو نظم واحد، وقافية واحدة، ولكن الشطر الأول من كل بيت أطول من الشطر الثاني. وأصل اسم: الكان كان، أنه من الشعر الذي يرد في الحكايات الشعبية والقصص الخرافية.
- وذكر له صنف غير ما تقدم وهو الذي أطلق عليه في الديوان اسم المخمسات وهو يأتي في خمسة أبيات منها:
ما كان أطيب عيشنا بالأبرق
ويد الفراق بوصلنا لم تعلق
واحرَّ قلبي، بعدهم وتشوقي
أفما يساعدني الزمان وتلتقي
عيني بهم، وتلذ منهم منظرا
ولقد كانت الأبيات الخمسة السابقة على هذه التي قدمناها من قافية الراء. وهي القافية التي تكرر ذكرها في البيت الخامس من الأبيات المذكورة أعلاه، وعلى هذا النمط تأتي القصيدة.
والأبرق موضع معروف في الكويت. بل إن بها لعدة أبارِق منها ابرق خيطان، وابرق الحباري وغيرهما.
وللشاعر أبيات أخرى غيرها تتكون من بيتين إلى ثلاثة أبيات.
أما قصائده الأخرى، فهي تسير على نمط الشعر المعروف بأوزانه العروضية التي يتتبعها الشعراء، ومن شعره هذه الأبيات التي يتغنى فيها بحسناء كان يهيم بها:
بت ناعم البال بقلب خلي
يا راقد الليل هناك الكرى
قد برح الشوق فكم ذا الجفا
كم قلت خوفا من دواعي الهوى
اذكر عهودا حيث واصلتني
الهمُّ والأحزان والوجدُلي
عيني من الرقدة في معزل
يا غاية الآمال لا تغفل
إياك والهجر، فلم تقبل
ونحن بالشرقي من أربل
إنه يشكو صد الحبيب، خالي القلب، ناعم البال الذي ترك له الهم والأحزان والوجد، وتفرد دونه بالراحة والطمأنينة، يقول هنيئا لك النوم الذي تعرفه عيناك بينما تكون عين الشاعر بمعزل عن الرقاد.
انت غاية آمالي فلا تغفل عني، لأن الشوق قد برح بي، وجفاك له أثر عظيم علي. وأنا أردد هذا وقد سبق ان قلته لك مرارا ولكنك لا تحفل بحالي ولا بما أقوله ذلك. تذكر أيامنا الماضية حين كنا في وصال دائم في تلك البقعة الجميلة من شرقي أربل.
وله أبيات قريبة من الأبيات الأولى من معلقة امرئ القيس التي أولها:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
أما الشاعر الحاجري فيقول:
لأطيب من ذكرى حبيب ومنزل
وصهباء كالمصباح في كف شادن
يطوف بها كخيزرانة ساحر الـ
بسقط اللوى دار بشرقي أربل
رقيق حواشي الخد عذب المقبل
جفون متى يلحظ بعينيه يقتل
ولا داعي لذكر باقي الأبيات، فهي أبيات لا تتحدث إلا عن الخمرة وشاربيها وسقاتها وخماراتها. ولكن ما دفع بي الى ذكر ما ذكرته هو تماثل عجيب بين البيت الأول من أبيات الحاجري، والبيت الأول من قصيدة قالها الشاعر الكويتي المعروف عبدالله سنان محمد، وسماها: «معلقة امرئ العيش» ومطلعها:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
لأهل الندى شرقي بيت ابن مندلي
وللحاجري أبيات لطيفة يستدر بها عطف ساجنه ويرجوه ان يحل وثاقه، وينقذه مما هو فيه. يقول:
هب لي جناية مازلت به القدم
في العفو تطمع في ساداتها الخدم
حسب المسيء جزاءً عن إساءته
فرط الندامة إذ لا ينفع الندم
ويستمر في الأبيات قائلا لمن بيده أمره: لقد قمت أنت بفعل ما يقتضيه السخط إذ كنت ساخطا علي حين أمرت بوضعي حيث أنا الآن، وكنت مقتدرا على ذلك، ولكنك ـ ايضا ـ قادر على ما يقتضيه الحلم والكرم فتطلقني.
استثني أخلاقك التي لا يكدر محاسنها شيء، وإن ما بي من بؤس ومسكنة ضرر كبير تحار بها الجراح، وتقل عنها وسائل الانتقام. وإن عطفك المرجو يثير عجبي في تأخره وبخاصة وأنت لي وعليّ الخصم والحكم.
لقد أمضيت صباي في ظل بابك، وكنت سعيدا بوجودي بين يديك، وأبرؤ إلى الله سبحانه أن ينهدم ذلك البناء ـ الذي تم في الصبا ـ عندما كبرت سني. وبخاصة أنك قد ألبستني الأمور الحسنة نعما منك مستمرة لا تنقضي.
أنت الذي أنبت عودي، وأنشأته في رياض من الأماني، فلئن قُتلت فأنا عبدك، وإن تكرمت عليّ فهذه شيمتك المعروفة.
هذه الأبيات تعبر عن الحالة النفسية التي يعانيها الحاجري وهو في سجنه، وهو مع ما يعانيه من ضيق في ذلك المكان فهو يعاني من هم أكبر، وهو أن تدركه نقمة الملك فيأمر بقتله، وهذا هو ما يخاف منه، ويجعله يتمنى العفو.
ولحسام الدين الحاجري شعر في الهجاء، ولكنه أقل من شعره في الغزل. وممن هجاهم طبيب اسمه ابن شمعون وهو يرى انه طبيب جاهل في مهنته، ولذا قال فيه:
أفنى ابن شمعون جميع الورى
لست أطيل الشرح في وصفه
فليت لو يعدمنا طبّه
لو عالج الخضر قضى نحبه
يريد ان يقول إننا نتمنى على ابن شمعون ان ينفي عنا طبه، ويقول: ليس عندي من الشرح عن حالة إلا ان أذكر انه لو داوى الخضر لمات. وكان يعرف ان الخضر ولي من أولياء الله الصالحين، وأنه طويل العمر.
وللهاجري 3 أبيات أخرى في هذا المعنى هي:
طب ابن شمعون بلا ريبة
ما عاد يوما من به علة
يمشي وعزرائيل من خلفه
حكم على هذا الورى يقضي
وعاد موجودا على الأرض
مشمر الأردان للقبض
(كلمة عاد الأولى بمعنى عيادة الطبيب للمريض وتفقد حالته، وعاد الثانية بمعنى: رجع)، فهو يرى ان هذا الطبيب لم يزر أحدا إلا زاره الموت. وان سيره الى المرضى مقرون بسير ملك الموت إليهم، ويكفيه هذا شؤما.
* * *
نبدأ الآن في الحديث عن القصائد التي غناها المطربون الكويتيون للحاجري. وهي أغان اشترك في غنائها ـ أيضا ـ عدد من مطربي دول الخليج العربي. وقد أصبحت مشهورة عند محبي الغناء، ترددها الإذاعات المسموعة والمرئية على الرغم من ان تسجيلاتها كانت قديمة:
ومن هذه الأغنيات أغنية «على دمع عيني» وهي من الأغاني التي غناها الفنان الكويتي عوض الدوخي على نغمة الصوت المعروفة وفيها يتحدث الشاعر عمن يحب، ويقول ان دمعه واضح لكل من ينظر اليه، وإنه يترقرق في محاجره، ومع نفاد صبره فإنه يزداد شوقا الى المحبوب، وفي بداية الأغنية:
على دمع عيني من فراقك ناظر
فديتك ربع الصبر بعدك دارس
يمثلك الشوق الشديد لناظري
ترقرقه إن لم ترقه المحاجر
على أن ما فيه منزل الشوق عامر
فأطرق إجلالا كأنك حاضر
إلى ان يقول الشاعر:
ومذ خبروني ان غصنا قوامه
تيقنت ان القلب مني طائر
ويوحي هذا البيت بأنه لم يره إلا بعد ان وصفوه له.
وهذه قصيدة أخرى من قصائد حسام الدين الحاجري، غناها ـ أيضا ـ الفنان عوض الدوخي على نغمة الصوت واشتهر بها كثيرا.
وهي من القصائد التي قالها الشاعر وهو في سجنه، نراها في ديوانه طويلة، ولكن الغناء اختصرها ـ ربما ـ لسببين أولهما أن طولها لا يتناسب مع الوقت المعتاد للغناء، وثانيها أن أواخرها تحفل بكلمات غير لائقة، وجد المطرب نفسه في حل من ذكرها حتى لا يتعرض لأي أشكال.
وتبدأ القصيدة بقول الشاعر:
لمع البرق اليماني
ذكر دهري وزماني
يا وميض البرق هل تر
وترى يجتمع الشمـ
أي سهم فوَّق البيـ
ومرارات كؤوس
أبعد الأحباب عني
فشجاني ما شجاني
بالحمى أي رمان
جع أوقات التداني
ـل، وأحظى بالأماني؟
ـن مصيبا ورماني؟
من تجنيه سقاني
وأراني ما أراني
إلى آخر الأبيات التي جرى بها الغناء.
وباقي القصيدة المذكور في الديوان يدل على مغزاها وسبب إنشائه لها.
والقصيدة الثالثة المغناة من قصائد الحاجري هي التي مطلعها:
يا واحد الحسن أدرك واحد الكمد
حاشاك من حرق تصلي بها كبدي
وهي من لحن الصوت.
وقد غناها الفنان عوض الدوخي الذي عودنا على إبداعه في غناء هذا النمط الشهير بين معجبيه، والأبيات في الديوان أربعة عشر بيتا، أما الذي ورد فيه الغناء فسبعة أبيات لا غير. يقول:
يا واحد الحسن أدرك واحد الكمد
حاشاك من حرق تصلي بها كبدي
في كل جارحة مني لسان الهوى
يشكو إليك رسيس الهم والكمد
وفي آخرها:
كم من أسير غرام لا فكاك له
من مقلتيك ومقتول بلا قود
لولاك ما بت أرعى النجم مفترشا
شوك القتاد قليل الصبر والجلد
إلى ان ينتهي غناء الأبيات بالموشح الذي اعتاد المغنون ان يردفوه بكل صوت.
وذلك مثل قولهم:
حسبي على أهل الهوى هم بالهوى ولعوني من يوم ثوبي ذراع
عطشان ظمآن أنا يا أهل الهوى أدركوني شرية هنية بساع
ومن شعر الحاجري الذي ورد في الغناء أبيات جميلة رددها فنان البحرين المشهور محمد زويد.
وكان غناؤه لها على نمط التحريرة وهي الأبيات التي تقدم قبل بداية (الصوت) ولها لحن خاص مميز. وأبيات الحاجري هي:
جسد ناحل وقبل جريح
وحبيب مر التجني ولكن
يا خلي الفؤاد قد ملأ الوجـ
جد بوصل أجيابه او بهجر
ودموع على الخدود تسيح
كل ما يفعل المليح ملح
ـد فؤادي، وبرح التبريح
فيه حتفي لعلني أستريح
إلى آخر الأبيــات وعددها في الديوان أحد عشر بيتا.
وهي رقيقة، فيها معان ذات رونق جميل وبخاصة قوله:
أنت للقلب في المكانة قلب
قد كتمت الهوى بجهدي وإن دا
ولروحي على الحقيقة روح
م على الغرام سوف أبوح
وقد أجاد محمد زويد في غنائها، وجمع حوله هواة الغناء المعجبين بإبداعه المعروف.
* * *
اعتاد شاعرنا هذا على ان يذكر الأماكن العربية المشهورة في أشعار القدماء كلما كتب قصيدة من قصائده الغزلية، ومن الأماكن التي ذكرها ما مر بنا في السابق عن ذكره لموقع «الأبرق». وهنا نقول انه أورد ذكر «كاظمة» في موضعين من مواضع شعره.
وكاظمة من الأماكن الكويتية المعروفة التي كتبنا عنها كثيرا في «الأزمنة والأمكنة»، ولمزيد من العلم بشأن هذا المكان انظر كتابنا: «كاظمة في الأدب والتاريخ».
ومما قاله الحاجري:
لا تلوموها على تقصيرها
مل بها نحو ربى كاظمة
هي سكرى ليس بالتقصير تدري
وانظرنها كيف تطوي كل قفر
وقد أخطأ محقق الديوان حين قال عن كاظمة: إنها موضع معروف قرب بغداد لواء الكاظمية.
ولو رجع لكتاب معجم البلدان لياقوت الحموي او لكتابنا المطبوع في سنة 1958، لعرف مدى الخطــأ الذي وقع فيـه.
فكاظمة أينما وردت في الشعر لا يقصد بها إلا كاظمة الكويت التي نستطيع أن نطلق عليها أنها معروفة.
وذكر الشاعر كاظمة ـ أيضا ـ في بيتين هما:
يا مرسلا في الدجى من أرض كاظمة
لا تمنع الطيف من طيب الوصال فما
خياله معرضا عني بلا سبب
يضره أن يريني الصدق في الكذب؟
وهنا يخالف المحقق ما ذكره في السابق فيقول في هامش هذين البيتين:
«كاظمة: جو (أي منخفض من الأرض) على سيف (ساحل) البحر من البصرة على مرحلتين (الكويت اليوم) وبذا يكون قد اقترب من كاظمتنا بعد ان كان بعيدا عنها.
* * *
لم يكن بالإمكان الاستدلال مباشرة على سبب سجن الحاجري، ولكن ما نراه في بعض شعره قد يدلنا على ذلك، فهو يكثر من ذكر الخمر وشربها، ومن تحسين الخلاعة، ومن ذلك القبيح قوله:
نديمي حثا كبار الكؤو
س فإن المؤذن قد أذنا
غفر الله له. فقد كان شاعرا لطيف الشعر عبّ مطربو الخليج من شعره الجميل وغنوه أغاني عذبة.