شاركت جمعية إحياء التراث الإسلامي بورقة عمل متميزة في ندوة «مستجدات الفكر الإسلامي الثالث»، والتي أقامتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برعاية صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وتناولت عدة محاور، والتي كان منها: الشراكة بين الجهات والمؤسسات المعنية لمواجهة التطرف، وأهم التجارب الناجحة في مواجهة التطرف، وتقييمها.
وقد شارك ضمن هذه المحاور طارق العيسى رئيس جمعية إحياء التراث الإسلامي في اليوم الأول للمؤتمر حول «تجارب المؤسسات والهيئات الإسلامية»، وعلى رأسها جمعية إحياء التراث الإسلامي، حيث قدم ورقة عمل متميزة بعنوان «جهود جمعية إحياء التراث الإسلامي في مواجهة التطرف الفكري والإرهاب»، وقد تضمنت الورقة ثلاثة فصول رئيسية لخصت الجمعية في الفصل الأول منها «الموقف الشرعي من التطرف الفكري.. أسبابه.. مصادره.. علاجه».
في المبحث الأول ذكر العيسى تعريف الإرهاب قائلا: هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان، ثم أوضح الجزاء الرادع له، بعد ذلك تطرق البحث إلى أنواع الإرهاب، ومنها إرهاب الدولة، ومن أوضح صوره وأشدها شناعة الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين، وما مارسه الصرب في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا.
بعد ذلك تم تعريف التطرف والغلو: وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع إلى ما ليس بمشروع، ويقع من الأفراد والجماعات والدول، وممن ينتمون إلى الأديان والملل والنحل المختلفة.
وفي المبحث الثاني ذكر العيسى أسباب انتشار هذا الفكر ومنها: الفساد في العقيدة والانحراف في المنهج والغلو في الدين - الجهل بالكتاب والسنة النبوية الشريفة، وقلة الفقه في الدين وحصرهم الحق في أنفسهم - الطعن في كبار العلماء الربانيين - الجهل بمنهج السلف الصالح من الصدر الأول من صحابة الرسول والتابعين والأئمة الأعلام.
وفي المبحث الثالث تطرق العيسى إلى مصادر التطرف، وذكر منها: الفتاوى التحريضية، والمواقع المشبوهة، وبرامج التواصل الاجتماعي، كذلك بعض الكتب المشبوهة والنشرات التي تصدر من قادة ومنظري الأحزاب التكفيرية، واللقاءات المباشرة والخاصة، والقادمون من مناطق الصراع.
وفي المبحث الرابع بين العيسى أهم سمات وصفات أصحاب الفكر المتطرف، والتي منها: حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم، التعالم والغرور، وهكذا كان الخوارج الأولون يدعون العلم والاجتهاد، ويتطاولون على العلماء بينما هم من أجهل الناس، التشدد في الدين والتنطع فيه، جرأة عجيبة على كل من يخالفهم من أهل الصلاح، فيكفرون الأئمة لأنهم خالفوهم في منهجهم، كذلك من صفاتهم أنهم يكفرون الخلق ولاسيما الحكام (لا يوجد حاكم مسلم عندهم)، واعتقادهم الجازم بأن قتلى مخالفيهم في النار، وأن قتلى أتباعهم في الجنة وأنهم شهداء.
أما المبحث الخامس فقد بين فيه العيسى مظاهر وصور التطرف الفكري، والتي منها: تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله بإطلاق، وتكفير المعين دون اعتبار للضوابط الشرعية، كذلك تكفير الأتباع المحكومين بغير ما أنزل الله بإطلاق، وتكفير الخارج عن الجماعة، وكل من لم يكفر من كفروه، وأيضا الحكم على بلاد المسلمين بأنها دار كفر، والقول بجاهلية المجتمعات المسلمة، والخروج على الحاكم المسلم والحاكم الجائر واستحلال قتله وقتاله، والتفجيرات الإجرامية وقتل النساء والأطفال والأبرياء ونشر الرعب والخوف، واعتزال المجتمعات وهجرها ومفاصلتها وتحريم العمل في الوظائف الحكومية.
ثم أشار العيسى إلى الآثار السلبية للتطرف ومما ذكر منها: تشويه صورة الإسلام وإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، وفتح الباب أمام المتربصين للطعن فيه، واستحلال دماء الأبرياء وقتل الأنفس المعصومة من المسلمين والمستأمنين والمعاهدين، ونشر الفوضى واختلال الأمن وزعزعته وزرع الفتن، وشق الصف من خلال محاربة الوطن بأبنائه، والإضرار بالعمل الدعوي والخيري، والتضييق عليه وتجفيف موارده.
كذلك تشويه صورة الأركان العظيمة للدين كالجهاد المشروع الذي أصبح البعض يعده مرادفا للتطرف والإرهاب والتدمير، والإضرار بالعلاقات الدولية بين الدول الإسلامية وغيرها.
وعن المعالجة الفكرية للتطرف تحدث العيسى في الفصل السادس قائلا: انها لا تقل أهمية عن المواجهة الأمنية، بل قد تكون هي الأساس والأهم، وتكون بالفكر السليم الصحيح القائم على الكتاب والسنة، وتعد سلامة الفكر مقوما أساسيا من مقومات الشخصية السوية، والحماية الفكرية مطلب ضروري في وقاية المجتمعات الإسلامية من التأثر بالتوجيهات الفكرية الخطيرة، وتكون طبقا للخطوات الآتية: العناية بالعلم الشرعي والالتزام بفهم الكتاب والسنة، والتلقي عن العلماء الربانيين الراسخين في العلم، كذلك سلوك منهج السلف الصالح في أمور الحياة كلها، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ومنع المبطلين من نشر مذاهبهم الضالة، والتحذير منها، وقطع الوسائل المغذية للفكر الإرهابي والتصدي لها، كالكتب والنشرات والصحف والمجلات، والتحذير من مواقع التواصل الاجتماعي المتطرفة.
كذلك تربية الأبناء على الاستقامة منذ الصغر تربية سليمة، وبيان الأساليب والأسباب المسببة للانحراف الفكري والتصدي لها، ويكون العلاج أيضا بالمناصحة، ونشر المساواة، وروح التعاون، وفتح قنوات الحوار، ونشر أدب الخلاف.
ثم تطرق العيسى إلى بيان (الجهود العلمية للجمعية في مواجهة التطرف الفكري والإرهاب)، ومن ذلك إصدار جمعية إحياء التراث الإسلامي سنة ١٩٩٦م منهجا صريحا واضحا لمعالجة بعض القضايا التي اختلفت فيها الأفهام ما بين غال وجاف أسمته (منهج الجمعية للدعوة والتوجيه)، وفيه تم التعريف بالأسس العقدية والدعوية التي تستند إليها، وتقوم على الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، والآثار عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين المعتبرين وفق منهج واضح، أهدافه معلنة، ووسائله مشروعة، يسعى لتحقيق المقاصد الشرعية العليا من إقامة دين الله تعالى، وعبادة الله وحده، ونشر التوحيد ومحاربة الشرك، والدعوة إلى السنة المطهرة، ونبذ البدع والمحدثات، ونشر العلم الشرعي ومكافحة الجهل وآثاره بحسب القدرة والاستطاعة، مع مراعاة ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قررها علماء الأمة وأئمة الهدى، والتي تهدف إلى جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها.
ثم بين العيسى أهم الأنشطة العلمية التي أقامتها الجمعية في مواجهة التطرف والإرهاب، والتي بدأت في وقت مبكر جدا، وذكر منها أمثلة عدة من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والفعاليات الثقافية داخل الكويت وخارجها.
بعد ذلك تحدث العيسى حول أهم المطبوعات التي قامت الجمعية بطباعتها في مواجهة التطرف الفكري والإرهاب، والتي كان منها (مكتبة طالب العلم) بإصداراتها الثمانية، وخصوصا المكتبة رقم (8) المتخصصة في قضايا الغلو والتطرف.
ثم بين أهم الكتب والرسائل العلمية، والتي كانت سلاحا فعالا في إيصال المعلومة لجميع شرائح المجتمع، حيث كان من أول ما أصدرته الجمعية كتاب: (المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم) للشيخ بن باز رحمه الله عام 1995م، بالإضافة لأكثر من ثلاثين إصدار مختلف حول أبرز القضايا التي يثار حولها الجدل في قضايا التطرف والتكفير والإرهاب والخروج والتعامل مع الحكام.
بعد ذلك تطرق العيسى لتجربة مجلة الفرقان التي تصدرها جمعية إحياء التراث الإسلامي في مواجهة التطرف الفكري عبر صفحاتها، حيث اهتمت المجلة بموضوع مواجهة التطرف الفكري من خلال إبراز ذلك في أكثر من 11 غلافا، ومن هذه العناوين ما يلي: تنظيم داعش تلفظ أنفاسها - الإرهاب لا دين له - علاقة الكويتيين تسمو على الإرهاب (حادث مسجد الصادق) - 10 أسباب لمحاربة نهج الخوارج والغلاة والتطرف - الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة - مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر.. الشيخ عبدالرحمن اللويحق - في مؤتمر المدارس الهندية: التراث: من أعظم الفتن ظهور الخوارج والدواعش بزي طلبة العلم - خطر التطرف والإرهاب حول مؤلف الشيخ عبدالمحسن العباد ويحكم.. أفيقوا يا شباب.
بالإضافة لمئات المواضيع والتحقيقات حول هذه الأمور.
كما أكد العيسى حرص الجمعية على التواصل مع القيادة الرسمية والشعبية، حيث يقوم أعضاء مجلس الإدارة بزيارة صاحب السمو الأمير وسمو ولي العهد لاطلاعهم على نشاطات الجمعية وانجازاتها فكانت سنة حميدة، وقد حظيت هذه الزيارات التي تعددت في ظل بعض الظروف الحرجة بتغطية واسعة ضمن وسائل الإعلام.
كذلك أشار العيسى إلى مشاريع الجمعية ودورها في مواجهة التطرف والإرهاب، حيث استعرض جهود الجمعية في رعاية كتاب الله، وتربية الناشئة على هديه وآدابه، وكيف أن الجمعية تدير أكثر من 200 حلقة تحفيظ للقرآن الكريم داخل الكويت، مما أدى إلى إعداد المئات من حفظة القرآن الكريم الذين يؤمون المساجد، ويدعون إلى الله على هدى وبصيرة، ويرسخون وسطية وسماحة الإسلام، ويحذرون من فكر التطرف والغلو.
كما نظمت الجمعية دورات مكثفة في كثير من المعاهد والجامعات التي قامت الجمعية بتأسيسها أو ساهمت في تشغيلها خارج الكويت، وذلك لتأهيل الأساتذة من خلال تنظيم دورات تدريبية شرعية وعقد لقاءات وحوارات مفتوحة وورش عمل حول وسطية الإسلام والتحذير من الفكر الخارجي المتطرف.