- الدعوة للقبيلة والحزب وتقسيم الناس إلى مناطق داخلية وخارجية ونشر البغضاء بينهم أعظم خيانة للوطن
إخراج الإنسان من وطنه سلاح فتاك استخدمه أعداء الله في حربهم لأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، فما أن يعلن نبي دينه ويدعو إليه إلا ويطرده قومه من بلدهم تعذيبا له، فقوم لوط قالوا (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)، وكذلك قوم شعيب (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا)، وهكذا هي سنة الله في خلقه وأكرم عباده إلى قيام الساعة، حتى ان نبيا محمد صلى الله عليه وسلم لم ينزعج حين ذكر له ما سيلاقي من عداوة قومه له وتكذيبهم له بقدر انزعاجه من إخراجهم إياه من مكة، موطنه الذي أحبه. «الأنباء» التقت الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الداعية خالد قزار الجاسم ليحدثنا عن منزلة حب الوطن في الشريعة، ويستذكر لنا صورا معبرة من السيرة النبوية وتاريخ سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم، لتؤكد لنا أن حب الأوطان من شيم الرجال، ومما يوافق الفطر السوية والقلوب السليمة، وتؤيده الشريعة الإسلامية. وأوضح الجاسم أن الولاء للوطن أعظم من الولاء للقبيلة والحزب وأن الدعوة إليهما والعمل على تقسيم المواطنين إلى مناطق داخلية وخارجية ونشر البغضاء بينهم هي أعظم خيانة تقدم للوطن، مشيرا إلى أن لحب الوطن ضريبة وله واجبات، من أعظمها ألا يحدث المسلم الفوضى ولا يثير الشقاق فيه، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
بداية نود أن نعرف منزلة حب الأوطان في الإسلام؟
بحمد الله شريعة الإسلام شريعة مباركة، والشريعة لا تأمر إلا بما فيه خير للناس، ولا تنهى عن شيء إلا فيه شر للناس وفسادهم، وهي شريعة توافق الفطر السليمة السوية، ومن هذه الأمور التي فطر الناس عليها عربهم وعجمهم، مؤمنهم وكافرهم، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم هي حبهم لأوطانهم.
توافق الفطرة
إذن قضية «حب الأوطان» من أمور الفطرة وليست من أمور الشرع فقط؟
نعم، هذا صحيح، فعلى مر التاريخ وفي جميع الملل والأديان، وفي جميع الأمكنة والأزمنة نجد ما يدل على أن حب الأوطان مما يوافق الفطرة، وأتت هذه الشريعة لتوافق هذه الفطرة كعادتها، ولذلك الله عز وجل يقول (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم)، فلاحظ كيف أن الله تعالى يريد أن يظهر منته وكرمه وفضله على الناس، فجعل الخروج من الديار يعادل قتل النفس، وذلك لما يلاقيه من ألم وعذاب وحسرة، وهذا يجده الناس مشاهد، فكل من خرج من دياره وجد حسرة ولوعة وحنين إلى بلده، ولذلك ورد عن أبي عمرو بن العلاء التابعي المشهور والعالم النحوي اللغوي المعروف أنه قال «مما يدل على كرم غريزة الرجل ـ أي علامة من علامات كرمه وصفاء نيته ـ حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى مقدم اخوانه وبكاؤه على ما مضى من زمانه»، فجعل في المقدمة الأولى الحنين للوطن الدال على رقة الإنسان وشاعريته وإيمانيته.
صور من حب الأوطان
ولذلك يمكننا أن نفهم سبب تألم الكثير من الصحابة رضي الله عنهم في المدينة نتيجة فراقهم لمكة؟
رغم أن الصحابة رضي الله عنهم عندما خرجوا من مكة إلى المدينة إنما خرجوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسعيا لإعزاز الدين، ومع ذلك وجدوا من الألم والأمراض والأسقام، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه هذا الإعياء وهذه المناظر الحزينة، ففي كل يوم يسقط أحد أصحابه من المرض والحمى، قال صلى الله عليه وسلم «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وانقل حماها إلى الجحفة»، أي هذا المرض الذي كان غالبا يصيب من استوطن المدينة، فاستجاب الله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في انتقال المرض عن المدينة، والشاهد من هذا الحديث أن الناس تجد في نفسها شيء في البعد من أوطانها، قال السهيلي «وفي هذا الخبر وما ذكر من حنينهم إلى مكة ما جبلت عليه النفوس من حب الوطن».
حبه لمكة والمدينة
لعل هناك أيضا مواقف خاصة لنبينا صلى الله عليه وسلم فيما يخص فراقه لمكة.
أتى عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من موقف في هذه الحادثة في عدة أحاديث، مما يدل على أن الحنين للأوطان وحبها مما يوافق الفطرة وتؤيده الشريعة الإسلامية، فقد جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا قدم من سفر فرأى درجات المدينة ـ أي رأى بدايات البيوت وعلاماته ـ أوضع ناقتها ـ أي أسرع بها»، قال ابن حجر في فتح الباري معلقا: «فيه دلالة على مشروعية حب الوطن، والحنين إليه»، فانظر بمجرد أن يرى بيوت المدينة يعجل من مسير ناقته، وكان صلى الله عليه وسلم يقول أيضا إذا رأى جبل «أحد» قال «هذا جبل يحبنا ونحبه». ولما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم قوله (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم) وأوحى إليه، رجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى ابن عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو مخرجي هم؟» قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعترض على قضية العداء والتكذيب، لما سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه ولم يظهر منه انزعاج لذلك، لكن لما ذكر له الإخراج تحركت نفسه لذلك، لحبه لوطنه.
وكذلك إذا مرض أحد اصحابه صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري وغيره، وإذا أراد أن يرقي مريضا بل أصبعه بريقه، ثم وضعه على التراب، ثم مسح به المريض، ثم قال «بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا»، وهذا الحديث دليل على أن الإنسان متعلق بوطنه تعلقا شديدا حتى أنه يمرض إذا فارقه، كما مرض الصحابة لما فارقوا بلدهم مكة.
من العقوبات
ولعله في المقابل جعلت الشريعة الإسلامية الإبعاد عن الوطن نوعا من العقوبات؟
نعم، فالشريعة من لدن الله سبحانه وتعالى، وهو يعلم ما الذي يصلح الناس وما الذي يردعهم وما الذي يمنعهم، وإذا وقعوا في المعاصي ما الذي يؤدبهم، فأتت هذه العقوبات الشرعية من الرجم والجلد، ومن جملة هذه العقوبات كانت عقوبة الإبعاد، وفي هذا دلالة على أن الإبعاد عقوبة، وإلا ما ارتدع الناس، ولذلك فإن الله تعالى يقول (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)، فانظر كيف أن الله جعل النفي من الأرض ضمن تعداده القتل والصلب، قال الشافعي «يكفيه مفارقة الوطن والعشيرة خذلانا وذلا»، وكذلك أتت الشريعة الإسلامية لتجعل عقوبة الزاني البكر الجلد والتغريب عاما كي يتجرع مرارة الذنب الذي وقع فيه.
مظاهر حب الوطن
هل حب الوطن مجرد كلمة وشعار أم لها لوازم وواجبات ومظاهر؟
حب الوطن له ضريبة فإذا قلت أنا أحب وطني الذي ربيت فيه وفيه ناسي وجيراني ومساجدي وأجد الأنس والطمأنينة فيه، فإن أعظم واجب عليك تجاه وطنك ألا تحدث البلبة والفوضى فيه وتثير الشقاق وتشحن النفوس بالكره والبغضاء بين أفراده، لابد أن نعرف أن الولاء للوطن أعظم من الولاء للقبيلة والحزب والجماعة، واستمع إلى هذا الحديث الذي جاء في صحيح البخاري أن رجلا مهاجريا ضرب أنصاريا ـ بشر ـ فقال الأنصاري «يا للأنصار» ـ انتخى بقبيلته ـ وقال المهاجري «يا للمهاجرين»، سمعها النبي صلى الله عليه وسلم، ورغم أن كلمة المهاجرين والأنصار حق ومسمى شرعي وأشرف الأسماء، فإنه أشرف الشرف أن تنتسب إلى أسماء سماها الله تعالى بنفسه، فهو الذي اختار المهاجرين والأنصار، ويقرأ ذكر هذين الاسمين في القرآن، ويتلوهما الأئمة في محاريب المساجد، مع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لما علم أن «يا للمهاجرين» و«يا للأنصار» لها مآرب أخرى، فهي دعوة للفرقة والخصام غضب، وقال «دعوها فإنها منتنة»، لاحظ كيف سمى هذه الدعوة منتنة وإن كان ظاهرها شريفا، لذلك لا يجوز أن يدعو الإنسان إلى قبيلته أو حزبه أو لغته على حساب الطرف الآخر، أو يقول مناطق داخلية ومناطق خارجية، هذه أمور تفتت المجتمع وتزرع وتنشر البغضاء والكراهية في أفراد المجتمع، وهذه أعظم خيانة للبلد، أعظم خيانة يقدمها الإنسان لبلده أن يخونه بهذه الصورة عبر تقسيم البلد والمجتمعات، فيصير الولاء للقبيلة والحزب، بينما يجب أن يكون الغطاء والمظلة التي تجمعنا هي مظلة البلد، لا فرق بيننا، كلنا نجتمع تحت راية واحدة، خلافنا وخصامنا سيرجع بالضرر في المقام الأول علينا، إذا انتشرت شرارة البغضاء والله لن يتضرر إلا نحن، إذن ينبغي أن يعي العاقل الحصيف الذكي الذي يريد الرفعة والخير والمكانة والأمن والأمان لبلده أن يرعى هذا الأمر، أن يحرص كل الحرص على نشر الخير والود بين أفراد المجتمع.
الغزو
في الكويت وجدنا صورا مشرقة للوطنية والألفة بين المواطنين إبان الغزو الغاشم، فما تعليقك؟
هذا يدل بحمد الله عز وجل على أن فطر هذا البلد فطر سوية، وهذه لا نقولها فخرا في هذا البلد، ففي أيام الغزو كانت مثالا رائعا على الأخوة، فالناس تناسوا كل خلافتهم الفقهية والمذهبية لأن المقام كان مقام تجمع وتوحد أمام شر أعظم وخطر أكبر، وكذلك يدل على ان الناس فيهم خير وفيهم طيبة من طبيعتهم وأنهم ودودون لذلك ينبغي ألا ننزع هذه الصفة عنا لمجرد ناعق ينعق.
العدل والمساواة في الحقوق
أخيرا، نريد كلمة في حق بعض الأوفياء لهذا الوطن، ممن يعدلون بين إخوتهم المواطنين ولا يحابون في ذلك ولا يظلمون.
الله يكافئ هؤلاء الأمناء الذين إذا اعتلوا منصب لا يفرقون، يعني ما أقول هذا من ربعي ومن جماعتي وولد عمي يعني أقربه وهذا غير قريب فأبعده، الله يكافئ هؤلاء يوم القيامة بأن يكونوا على يمين الرحمن، وهم الذين يعدلون، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ـ عز وجل ـ وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» أخرجه مسلم، يعني إذا تولوا ولاية ومسؤولية وإدارة ووزارة يعدلون، والناس عندهم كلهم سواسية، فيكافئون المحسن وإن كان بعيدا عنه، ويعاقبون المسيء وإن كان قريبا منهم، فالعدل يمشي على الكل، وانظر إلى هذا الحديث وكيف أن أثر التفريق بين المجتمع يظهر شره على الكل، فقد ورد أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتشفع في حد من حدود الله». ثم قام فخطب، فقال: «يا أيها الناس، إنما ضل من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها».
الإجازة بين التفريط والتخطيط (1 ـ 4)
إن السفر من الأمور العامة التي تفيد المسلم في دينه ودنياه، ولقد أمرنا الله بالسير في الأرض فقال سبحانه (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)، يقوم كثير منا بالسفر خلال فترة الصيف، إما للفسحة والترويح عن النفس، وإما لزيارة الأهل وإما للتجارة وكسب المعايش، وغير ذلك، وللسفر فوائد متعددة، يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
فمن فوائد السفر:
1 ـ الترفيه عن النفس في حدود الحلال فإن الإنسان يقضي معظم العام في العمل والجد وكسب المعاش وتربية الأولاد وغير ذلك، والأبناء يقضون هذه المدة في تحصيل العلم فيحتاج الجميع بعد كل هذا العناء إلى وقت للترويح عن النفس، حتى يجدد كل منهم نشاطه، وتقوى همته، ويعود إلى عمله بهمة ونشاط.
2 ـ الوقوف على عجائب الله في الكون، من مخلوقاته العجيبة، والمناظر البديعة، من حدائق غناء، أو حقول فيحاء، أو بحار وأنهار، وجبال وأشجار كلها تدل على قدرة الخالق المبدع الحكيم الذي أحسن كل شيء خلقه فيزداد إيمان الإنسان بربه وقدرته وعظمته سبحانه وتعالى فيهتف قائلا: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه)، وصدق القائل:
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحد
وما أجمل أثر عمر رضي الله عنه فيما قاله المعرور بن سويد، قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأمصار أن «مروا الناس في أيام الربيع بالخروج إلى الصحراء، لينظروا إلى النور، إلى آثار رحمة الله«.
3 ـ اكتساب صداقات ومهارات جديدة، فالمسلم في سفره يلتقي مع أبناء البلد الذي سافر إليه فينتقي منهم أصدقاء على دين وخلق يستفيد منهم ويفيدهم ويؤاخيهم في الله فتقوى الروابط بين المسلمين قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، ويتعرف على أحوال الأقليات المسلمة وأحوال المسلمين في البلاد الأخرى، فيشاركهم آمالهم وآلامهم ويحقق مجتمع الجسد الواحد الذي دعا إليه الإسلام، ولن يعدم المسلم في سفره أن يكتسب مهارات جديدة يتعلمها من مخالطته لأهل البلاد التي يسافر إليها، فيزداد خيرا إلى خير، فينفع أهله ووطنه، والوقوف على أنواع من الحضارات التي أقامتها الأمم قديما وحديثا لكنها حضارات مادية لم تؤسس على الإيمان بالله وشكره على نعمائه، فقادتهم إلى الكبر والطغيان والانحلال والرذيلة فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ولم تبق من حضاراتهم إلا آثار شاهدة على كفرهم وضعفهم، أمام القوي الجبار سبحانه وتعالى الذي قال فيهم وفي أمثالهم: (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، ينظر إلى الحضارات الحديثة والتقدم العلمي الذي عند الغربيين، وكيف أنهم أخذوا بأسباب العلم، وتركها المسلمون، فتقدموا علينا في علومهم، واحتجنا إليهم رغم كفرهم، وما ذلك إلا لتقصيرنا لأوامر ربنا الذي حثنا على العلم وتكريم العلماء، كما يعتبر بأحوالهم الدينية والخلقية، فرغم ما هم فيه من تقدم وحضارة مادية فهم متأخرون بل متخلفون دينيا وأخلاقيا مما يهدد بانهيار حضارتهم، كما حل بأمثالهم من السابقين، فيحمد المسلم ربه على إسلامه، ويسعى للجمع بين العلم والدين، ونفع المسلمين.
4 ـ السفر لأداء الحج والعمرة: فهي رحلة إيمانية، يجدد المؤمن فيها إيمانه حين يؤدي طاعة ربه ويعيش في رحاب الحرمين الشريفين، ويتذكر الخليل إبراهيم وولده إسماعيل، وزوجه هاجر وما كان من شأنهم، ويتذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وجهادهم لإعلاء دين الله عز وجل فيحمد الله على نعمة الإسلام ويعود طاهرا نقيا من الذنوب والآثام، وكما أن للسفر منافعه فله أيضا مضاره الكثيرة نفصلها في المقال القادم بإذن الله.
فتاوى في صلاة المسافر
هذه فتاوى مختارة للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فيما يهم المسافر في سفره، نسوق بعضا منها:
ما حكم الأذان في السفر؟
هذه المسألة محل خلاف، والصواب وجوب الأذان على المسافرين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبه «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم» وهم وافدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرون إلى أهليهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الأذان ولا الإقامة حضرا ولا سفرا، فكان يؤذن في أسفاره ويأمر بلالا رضي الله عنه بأن يؤذن.
القبلة والتيمم
من جهل القبلة أو لم يجد ماء هل يؤخر الصلاة؟
الصلاة يجب أن تؤدى في وقتها لقوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وإذا وجب أن تفعل في وقتها فإنه يجب على المرء أن يقوم بما يجب فيها بحسب المستطاع لقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب»، ولأن الله عز وجل أمرنا بإقامة الصلاة حتى في حال الحرب والقتال ولو كان تأخير الصلاة عن وقتها جائزا لمن عجز عن القيام بما يجب فيها من شروط وأركان وواجبات ما أوجب الله تعالى الصلاة في حال الحرب.
مسافة القصر
ما مقدار المسافة التي تقصر فيها الصلاة؟
المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو 83 كيلومترا وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف أنه سفر وان لم يبلغ ثمانين كيلومترا وما قال الناس عنه: إنه ليس بسفر فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلومتر، وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال او فراسخ قصر الصلاة وصلى ركعتين»، وقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أقرب إلى الصواب ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين فليس عليهم به بأس إن شاء الله تعالى أما مادام الأمر منضبطا فالرجوع إلى العرف هو الصواب.
وقت الرخص
متى يترخص المسافر برخص السفر؟
ذكر العلماء ـ رحمهم الله ـ انه لا يشترط لفعل القصر والجمع ـ حيث أبيح فعلهما ـ أن يغيب الإنسان عن البلد بل متى خرج من سور البلد جاز له ذلك. وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته وإن كان يشاهدها، ولا يحل الجمع بين الصلاتين حتى يغادر البلد إلا أن يخاف أن لا تتيسر له صلاة الثانية أثناء سفره.
الرخص
ما رخص السفر؟
1 ـ صلاة الرباعية ركعتين.
2 ـ الفطر في رمضان ويقضيه عدة من أيام أخر.
3 ـ المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مسح.
4 ـ سقوط المطالبة براتبة الظهر والمغرب والعشاء أما راتبة الفجر وبقية النوافل فإنها باقية على مشروعيتها واستحبابها.
5 ـ الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض وهما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء ولا يجوز تأخير المجموعتين عن وقت الأخيرة منهما فلا يجوز تأخير الظهر والعصر المجموعتين إلى غروب الشمس ولا تأخير المغرب والعشاء المجموعتين إلى ما بعد نصف الليل.
صلاة الجماعة
هل تسقط الجماعة عن المسافر؟
لا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك)، وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيدا أو يخاف فوت رفقته لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة.