ضاري المطيري
ولد محمد بن سليمان بن عبدالله الجراح الحنبلي السلفي، المعروف بابن جراح، في الكويت سنة 1902 م (1322 هـ) بعد هجرة جده عبدالله بأربعة عقود من احدى قرى سدير في نجد إلى الكويت ثم الزبير، ويعود نسبة إلى آل فضل من بني لام من طيء.
بدأ تعلم القرآن على يد الملا أحمد بن محمد الحرمي وملا محمد المهيني، وتعلم الكتابة والحساب وقسمة المواريث في مدرسة السيد هاشم الحنيان، وتعلق قلبه بالعلم وكسب المعرفة منذ نعومة أظفاره فحفظ في بداية شبابه العديد من المتون العلمية، وأخذ مبادئ الفقه على يد علامة الكويت الشيخ عبدالله خلف الدحيان حيث كان يقرأ في مجلسه تفسير ابن كثير وفتح الباري، كما أخذ العلم من الشيخ عبدالوهاب عبدالله الفارس، والشيخ أحمد عطية الأثري والشيخ عبدالعزيز بن قاسم حمادة.
ويعد ابن جراح من أبرز علماء الكويت في اللغة والأدب والفقه، وشاعرا من شعرائها، خدم في مجال الإمامة والخطابة في مساجد الكويت الزاخرة والمنتشرة بين الفرجان والأحياء السكنية، واتخذ من منبره مكانا يرشد من خلاله الناس إلى خير العمل، حريصا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل الطرق والوسائل الممكنة والمشروعة. وكان يعلم طلبته الصبر على طلب العلم وعدم الاستعجال في الأسئلة قبل إتقان العبارات وفهم المقاصد، وكيفية الاعتناء بالكتاب والمحافظة عليه، وكيفية كتابة التعليق في الكتاب إن وجد وأين يكتبه، وكان يذكرهم بتحسين الخط، كما كان حريصا على نشر علمه بين عامة الناس لكي يستفيدوا منه في حياتهم، وكانت له الكثير من الرسائل والفتاوى المدعمة بالحجة والدليل من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الرسائل عبارة عن نصائح وفوائد، وقد علقها على جدران مسجده.
ومن صور زهده في الدنيا والمناصب العليا عندما عرض عليه الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس دائرة المحاكم آنذاك أن يتولى القضاء فقال «من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين»، فرفض المنصب بأدب ولباقة، ومن تواضعه عبارته المشهورة التي قالها قبل وفاته بأيام معدودة «إني طالب علم مقصر محب للعلم ولست بفقيه الكويت ولا فرضيها، وما قيل في من الإطراء فأنا بريء منه، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرا مما يظنون».
استمر الشيخ الفاضل في سعيه الدؤوب في تحصيل العلم وتوصيله باذلا جهده ووقته وصحته حتى مشارف سنة 1416 هـ، فمنذ تلك السنة تتابعت أعراض المرض عليه، فلما بلغ عمره حينها 95 عاما، وفي فجر الخميس 13 جمادي الأولى سنة 1417 هـ توفي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وقد كان وقع وفاته عظيما على أهله وطلبته وأصحابه وعلى كل أهل الكويت، وكان يوم دفنه يوما مشهودا حضره كثير من الناس.