ليلى الشافعي
ما هي إلا أيام معدودة وينتهي الشهر الفضيل، وكلنا نحاول التقرب الى الله بالطاعات، والاجتهاد في العبادة، ويأتي ختم القرآن الكريم وتدبر آياته على رأس هذه الطاعات، فهل سنستمر على تلاوته وختمه بعد رمضان؟
يقول الداعية سيد الرفاعي: منزلة القرآن عظيمة، فالقرآن المنزل من الله الحق ومن حول العرش الذي تكلم به قيوم السماوات والأرض وهبط به أكرم سفير للرحمن، وهو جبريل عليه السلام، وتلقته أطهر أذن هي أذن محمد صلى الله عليه وسلم، واقتدت به خير أمة أخرجت للناس وهي أمة اليقين والإيمان، وانبثق في جوانب الدنيا نورا مبينا وماء معينا، انقشعت به ظلمات، وتفجرت منه ينابيع الهدى والحكمة. القرآن الذي جعله الله عز وجل دستورا للحكم وقانونا وازعا للنفس، ومؤدبا يصف الحكمة ويقص الأنباء، ويفصل الآيات، وديوانا حافظا للغة وبيانا معجزا بلفظه ومعناه وحكمه وعلمه.
وأضاف: لقد كان القرآن في المجتمع الإسلامي السليم عماد الحياة وشعار البيت وأساس التعليم وسمير الفرد، وشغل الجماعة بأن رعاه المسلمون وهداتهم فجعلوا من طليعة واجباتهم العناية بالقرآن وتحفيظه ونشره بين الجميع، وكان المسلمون جميعهم يتعاونون بكل ما استطاعوا على إجلال شأن القرآن وإحلاله قمة التكريم والتقدير، ولا عجب فقد عرفوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلَّمه»، وكان حفاظ القرآن يعدون بالآلاف وكان صلى الله عليه وسلم يرى من واجبه ان يبدأ نهاره بتلاوة جانب من القرآن، وكثيرا ما كان يختم، ثم دارت الدوائر على المسلمين وأصابتهم النكبات في نفوسهم فأخذوا يعرضون عن القرآن شيئا فشيئا، ويهملون حفظه وتحفيظه، حتى ان بعضهم لا يقرأ القرآن إلا في شهر رمضان المبارك، وهذا الحريص منهم، أما البعض فإنهم لا يقرأون القرآن إلا نادرا وقد تمر عليهم السنوات من دون ان يتلوه ولولا الصلوات ما تلوا منه آية!
وتأسف الرفاعي، وقال: لقد كدنا ننسى القرآن وننسى سماعه، نعم هو يذاع كل يوم في المذياع، ولكن ما عدد الأسر التي تفتح المذياع ليستمع أفرادها الى كتاب الله؟ وما عدد المستمعين الذين يصغون الى تلاوته بالنسبة الى الذين يستمعون الى البرامج التافهة التي تبث في الفضائيات المدمرة وفي وسائل الاتصال؟
وقال: هجرنا أوامر القرآن ثم نسينا حفظه ثم أهملنا تحفيظه فما وراء ذلك؟ أنريد أن يصدق علينا حكم القرآن، قال تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)؟ أنريد ان نضيع القرآن الذي وعد الله بحفظه؟
شهر القرآن
وأوضح الداعية الرفاعي واجبنا نحو كتاب الله عز وجل وأساس ديننا وعماد حياتنا، فأكد ذلك بقوله: لنتذكر واجبنا نحو هذا الكتاب الإلهي المجيد الأخلد الذي لم تزده الأيام إلا تأييدا وتصديقا، ولا عجب فهو كتاب من خلق الخلق وتدبر الأمر وهو القائل: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)، وعلينا ان نردده آناء الليل وأطراف النهار وأن نواصل تلاوته بعد رمضان وأن يكون لنا ورد نقرأه كل يوم وأن نقوي صلتنا بالقرآن وأن يكون بيننا وبينه رابط لا ينقطع أبدا.
الاستمرار على تلاوته
يقول د.بسام الشطي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا كان له بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها»، وهذا لما لتلاوة القرآن من فضل وثواب عظيم سواء في شهر رمضان او غيره، فالقرآن الكريم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في 23 عاما حسب الأحداث، ولكنه نزل من اللوح المحفوظ الى الدنيا في شهر رمضان، وقال الله عز وجل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وقد أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بترتيل القرآن، والله يرفع قدر المؤمن بالقرآن في الدنيا والآخرة وأن القرآن والصيام يشفعان للعبد، والتلاوة لها أجر والفهم له أجر، لذلك يجب فهم كلمات الله تعالى والعمل بها حيث إن من يقرأ القرآن يخاطبه الله سبحانه وتعالى، وكان جبريل عليه السلام يدارس القرآن الكريم للنبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».
وأكد الشطي ضرورة ان يكون المسلم مستمرا على طاعة الله، ثابتا على أوامره، مستقيما على دينه يعبد الله في كل شهور السنة وفي كل مكان وزمان، يعلم ان رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام وأنه رب الأزمنة والأماكن كلها فيستقيم على شرع الله حتى يلقى ربه وهو عنه راض، قال تعالى: (فاستقم كما أُمِرت ومن تاب معك)، وقال عز وجل: (فاستقيموا إليه واستغفروه)، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «قل آمنت بالله ثم استقم».