- إذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقـة صادرة منها أو مـن الدوائر الأخرى أحالت الدعوى إلى دوائر المحكمـة مجتمعة للفصل فيها وتصدر الأحكام بأغلبية الآراء
- الطعن ببطـلان حكم التمييـز يكون بطلب يقدمه لذات الدائرة التي أصدرته غيـر مقيـد في تقديمه بميعاد حتمي وهو بمنزلة دعوى بطلان أصلية فإذا ثبت للدائرة التي أصـدرت الحكـم المطلوب القضاء ببطلانه أن الطلب قد توافرت فيه موجبات قبوله ألغت الحكم الصـادر منها
- يجوز لمن يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها أن يعترض على هذا الحكـم بشرط إثبات غـش من كان يمثله في الدعـوى أو تواطـؤه أو إهمـاله الجسيم
أعد د. حسين صلاح عبدالجواد المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع وعضو الجمعية المصرية للقانون الدولي قراءة موجزة لحكم محكمة التمييز في الطعن 911/2019 إداري/2 الخاص بإلغاء تعيينات الخبراء والصادر بجلسة 19/11/2019 جاءت كالتالي:
في ظل ما صاحب صدور حكم محكمة التمييز في الطعن 911/2019 إداري/2، بشأن إلغاء قرارات تعيينات الخبراء، ارتأينا أنه من واجبنا أن ندلي بدلونا في هذا المضمار من خلال هذه الدراسة، وسنعرض في هذه السطور - وبإيجاز غير مخل - وجهة نظرنا القانونية باعتباري محاميا ورجل قانون، وفي إطار من الضوابط والمعايير القانونية، والحدود التي يسمح بها القانون، وفي إطار النقد النزيه، وذلك وفقا لما يلي:
إذ ان الحكم الصادر في الطعن بالتمييز الرقيم 911 لسنة 2019 إداري/2، استعرض وقائع النزاع المعروض عليه بأن أورد بداءة طلبات المدعية مقيمة الدعوى المبتدأة بطلبها الحكم أولا: بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 2597 لسنة 2016 (الصادر من وزارة العدل) فيما تضمنه من سحب القرار رقم 2012 لسنة 2016 (الصادر من الوزارة في وقت سابق) الصادر بتخطيها في التعيين بوظيفة خبير حسابي.
ثانيا: وكذلك طلبها بإلغاء القرارات الصادرة من وزارة العدل أرقام من 53 حتى 283 لسنة 2017، فيما تضمنته من تخطيها في التعيين بوظيفة خبير حسابي.
ثالثا: وكذلك طلبها بإلغاء القرارات الإدارية أرقام 595، 687 و785 و814، 882 لسنة 2017 (والصادرة وزارة العدل) فيما تضمنته من تخطيها في التعيين في وظيفة خبير حسابي.
مما مفاده أن نطاق الدعوى المبتدأة المعروضة على القضاء كان يتضمن ثلاثة طلبات، ومتعلقة جميعها بالقرارات الصادرة لاحقا على القرار 2012/2016، بل ان الطلب الأول في هذه الدعوى كانت تروم منه المدعية (وحسب طلباتها الختامية) تحصين القرار 2012 لسنة 2016 الصادر سابقا، بطلبها إلغاء القرار الساحب لذلك القرار.
وفي هذا جميعه يتحدد نطاق الدعوى وإطار الطلبات فيها، وذلك إعمالا للمستقر القضائي المتواتر لدى قضاء محكمة التمييز من أن نطاق الدعوى يتحدد بطلبات الخصوم الصريحة الجازمة، وأن العبرة بالطلبات الختامية التي تدور الخصومة حولها، وهذا التحديد يلزم الخصوم والقاضي، وتلتزم المحكمة بالفصل فيها دون الخروج عن نطاقها.
[الطعن بالتمييز رقم 1915، 2043 لسنة 2013 تجاري/2 – جلسة 22/6/2014]
وحيث قضت محكمة الدرجة الأولى بقضائها بعدم قبول الطلب الأول (طلب إلغاء القرار الساحب) لانتفاء مصلحة المدعية فيه، وكذلك برفض الطلب الثاني، وفي الطلب الثالث بإلغاء القرارات أرقام 595، 687، 785، 814، 882 لسنة 2017، فيما تضمنته من تخطي المدعية في التعيين بوظيفة خبير حسابي.
تم استئناف هذا الحكم من قبل إدارة الفتوى والتشريع، على الشق الخاص بالطلب الثالث فقط المتعلق بإلغاء القرارات أرقام 595، 687، 785، 814، 882 لسنة 2017. دون الشقين الأول والثاني.
ولم تستأنف المدعية هذين الشقين الأول والثاني. أي أن الطلبين الأول والثاني لم يكن أحدهما أو كلاهما محلا للاستئناف.
أي أن الذي كان معروضا على محكمة الاستئناف هو فقط الطلب الثالث من طلبات المدعية.
وتأيد هذا القضاء الصادر من محكمة أول درجة، في الاستئناف الرقيم 37/2019 إداري.
وحيث لم ترتض جهة الإدارة (الوزارة) هذا القضاء الصادر من محكمة الاستئناف فيما قضى به، فطعنت عليه بطريق التمييز بالطعن رقم 911/2019 إداري/2، (الصادر فيه الحكم محل الدراسة).
وشيدت جهة الإدارة طعنها على سند من سبب وحيد هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق.
مع تأكيد الإشارة إلى أن الطعن بالتمييز المقدم من الوزارة انصب وتحدد نطاقه – كما انصب استئنافها وتحدد نطاقه من قبل – على الشق الخاص بالقرارات أرقام 595، 687، 785، 814، 882 لسنة 2017 دون غيرها من القرارات. أي على حكم الدرجة الأولى الصادر في الطلب الثالث فقط من طلبات المدعية.
في حين أن المدعية – كما أسلفنا - لم تطعن على الشقين الاخرين والمقضي في أولهما بعدم القبول، وفي ثانيهما بالرفض سواء من محكمة الدرجة الأولى أو من محكمة الاستئناف، وهذا القضاء بعدم القبول وبالرفض حكم قطعي، ومن ثم وإذ انه لم يتم الطعن على هذا القضاء القطعي، فمفاد ذلك أنه صار باتا له قوة الأمر المقضي وتسمو حجيته وقوته على اعتبارات النظام العام، مما يمتنع معه العودة لنظره أو بحثه مرة أخرى سواء بأدلة قانونية أو واقعية لم تثر من قبل أو أثيرت ولم يبحثها الحكم.
وعلى ذلك، فإن نطاق وإطار الطعن بالتمييز يتحدد بما جاء بصحيفة الطعن وطلبات الطاعن والتي لم يكن منها القرار رقم 2012 لسنة 2016 الصادر سابقا من وزارة العدل، وعلى ذلك فإن التعرض لهذا القرار (رقم 2012 لسنة 2016) غير المعروض على محكمة الاستئناف، وعلى محكمة التمييز من بعد، يكون تجاوزا لإطار الطعن وهو غير جائز.
ولا ينال من ذلك ولا يقدح فيه ما قد يثار من أن محكمة التمييز إذا ما قضت بتمييز الحكم فإنها تنقلب إلى محكمة موضوع، لأن هذا القول مردود عليه بأمرين:
أولهما: أنه إذا ما تم تمييز الحكم، فإن ذلك معناه زوال الحكم، وتعود الخصومة والخصوم إلى الحالة التي كانت عليها أمام محكمة الاستئناف قبل صدور الحكم المطعون فيه، أي أنه يسري على الخصومة – عقب تمييز الحكم - القواعد الخاصة بالاستئناف، والتي يتحدد بموجبها إطار الاستئناف ونطاقه بما رفع عنه الاستئناف فقط، فما لم يكن معروضا على محكمة الاستئناف، لا يكون هناك محل لنظره من محكمة التمييز لأنه لا يصادف محلا من نطاق الطعن.
وإذ إن الذي كان معروضا على محكمة الاستئناف هو الشق الخاص بالقرارات أرقام 595، 687، 785، 814، 882 لسنة 2017 دون غيرها من الطلبات والقرارات التي وردت بصحيفة الدعوى المبتدأة، ومن ثم فإنه لا يجوز أن يكون محلا للدراسة أمام محكمة التمييز بعد تمييز الحكم الاستئنافي.
لاسيما أن المدعية صاحبة الدعوى لم تطعن على قضاء الدرجة الأولى الصادر بعدم قبول طلبها الأول المتعلق بالقرار (2012/2016)، وبرفض طلبها الثاني.
ثانيهما: فإن المدعية (صاحبة الدعوى) لم تطعن بالاستئناف على الحكم الابتدائي الصادر برفض طلبيها الأولين الخاصين بالقرار 2012/2016، أو بالقرارات من 53 حتى 283 لسنة 2017، وعليه فإن القضاء بعدم قبول ورفض هذين الطلبين (على الترتيب) لم يكونا معروضين على محكمة الاستئناف، ومن ثم لم يكونا محل عرض على محكمة التمييز بما يكون معه القرارات محلهما خارج حدود وإطار الطعن ونطاقه.
وقد استقر قضاء التمييز على أن المطالبة القضائية إجراء يوجه إلى المحكمة في مواجهة المدعى عليه، وبها يتحدد نطاق الدعوى سواء بالنسبة للخصوم أو القاضي، وتلتزم المحكمة عند الفصل فيها بألا تخرج عن هذا النطاق، والعبرة في ذلك هي بما يطلب الخصم الحكم له به على نحو صريح جازم،.... والمحكمة من بعد ملزمة بإعطاء الدعوى وصفها الحق وإسباغ التكييف القانوني الصحيح على الطلبات فيها دون أن تملك التغيير في سبب الدعوى أو مضمون تلك الطلبات أو أن تستحدث طلبات جديدة لم تعرض عليها.
[الطعن بالتمييز رقم 328 لسنة 2017 إداري – جلسة 29/6/2010]
[الطعن بالتمييز رقم 108، 115 إداري/1 – جلسة 27/11/2013]
لما كان ذلك وكان الحكم – محل الدراسة – قد أورد في الصفحة (14) من مدونات أسبابه ما نصه:
«وقد أقامت المطعون ضدها (المدعية) الدعوى رقم 1063/2017 إداري بطلب الحكم - وفقا للتكييف الصحيح لطلباتها – بإلغاء قرارات شغل وظائف إدارة الخبراء – سواء التي تمت بالتعيين أو النقل أو غيرهما من وسائل شغل الوظائف سواء التي صدرت في فترة الرئيس الإداري الأول من 26/10/2014 وحتى 9/12/2016، أو التي صدرت في فترة الرئيس الإداري الثاني من 10/12/2016 وحتى 24/12/2017 بما فيها القرارات أرقام 2012/2016، و53 حتى 283 لسنة 2017، 595، 687، 785، 814، 882 لسنة 2017 – وذلك فيما تضمنته من تخطيها في التعيين بوظائف الخبرة المحاسبية..».
وهو ما مفاده أن الحكم قام بتكييف مضمون الطلبات، واستحدث طلبات جديدة لم تبدها المدعية صاحبة الدعوى على النحو المعروض بالأوراق، إذ أن الثابت من الأوراق ومن ورقة الحكم ذاتها، وتحديدا بعجز الصفحة الأولى ومستهل الصفحة الثانية منه، أن المدعية المطعون ضدها أقامت الدعوى 1063/2017 إداري بطلب الحكم – وفقا لطلباتها الختامية – الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 2597 لسنة 2016 فيما تضمنه من سحب القرار رقم 2012 لسنة 2016 الصادر بتخطيها في التعيين بوظيفة خبير حسابي.
أي أنه لم يكن من طلبات المدعية إلغاء القرار 2012/2016، وإنما إلغاء القرار 2597 لسنة 2016 الساحب للقرار الأول.
ومن ثم يكون تصدي محكمة التمييز للقرار 2012/2016 – في الحالة المعروضة – غير جائز لما سقناه سلفا من أسباب.
ولا ينال من كل ما سبق أيضا، ما قد يثار من أن دعوى الإلغاء هي دعوى عينية، وأن حجية الأحكام الصادرة فيها حجة على الكافة، لكونها دعوى مخاصمة للقرار الإداري في ذاته، استهدافا لمراقبة مشروعيته، إذ أن ذلك مردود بما استقر عليه قضاء التمييز من أن الحجية المعنية المطلقة للحكم الصادر في دعوى الإلغاء تقتصر على الحكم الصادر بإلغاء القرار دون الحكم الصادر برفض الدعوى، وأنه وإن كانت الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها اختصام القرار الإداري في ذاته استهدافا لمراقبة مشروعيته، إلا أنه ثمة اختلاف بيّن بين حجية الحكم الصادر برفض دعوى الإلغاء وحجية الحكم الصادر في الموضوع بإلغاء القرار، إذ إنه وعلى الرغم من أن الحكم في الحالتين يمس موضوع النزاع، وبرغم اتفاق طبيعة التقرير في كل منهما، وهو بيان مدى مطابقة القرار المطعون فيه لقواعد المشروعية، إلا أن الحجية المطلقة التي تتعدى أطراف الخصومة إلى الغير، ويصبح الحكم فيها حجة على الكافة مقصورة على الحكم الذي يصدر بالإلغاء، أما الحكم برفض الدعوى فإن حجيته تكون نسبية مقصورة على طرفيه.
[الطعنان رقما 58، 59 لسنة 2010 إداري – جلسة 14/12/2010]
وإذ انه كما سبق القول فإن قضاء محكمة الدرجة الأولى والمؤيد استئنافيا بعدم قبول الدعوى فيما يتعلق بطلب المدعية إلغاء القرار 2597 لسنة 2016، فيما تضمنه من سحب القرار 2012/2016، وبرفض الدعوى فيما يتعلق بالقرارات أرقام من 53 حتى 283 لسنة 2017، ومن ثم فإن حجية هذا القضاء في هذين الطلبين اللذين تم القضاء بعدم قبول أولهما، وبرفض ثانيهما، ولم يطعن على هذا القضاء (بشأن هذين الطلبين) أمام محكمة الاستئناف، مما تكون معه الخصومة مقصورة بين طرفي التداعي وفقا لما رفع عنه الاستئناف فقط، ومن ثم فإنه وإذ صار هذا القضاء (في هذين الشقين) باتا كما أسلفنا لعدم الطعن عليه، وعلى ذلك فإنه يكون غير معروض على محكمة التمييز من جانب أخر.
من ناحية أخرى: أورد الحكم – محل الدراسة – أن جهة الإدارة قامت بتاريخ 28/12/2016 بإصدار القرار الرقيم 2597 لسنة 2016 المتضمن سحب القرار رقم 2012 لسنة 2016 وتعيين عدد من الخبراء ومعاوني الخبراء.
إلا أنه - أي الحكم - لم يعرض للأثر القانوني للقرار الساحب على القرار المسحوب، على الرغم من أن القرار الساحب الصادر من الوزير التالي قد نص صراحة في مادته الأولى على سحب القرار الصادر في فترة الوزير السابق سحبا كليا واعتباره كأن لم يكن.
وإذ ان المستقر قانونا وقضاء أن الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها اختصام القرار الإداري في ذاته استهدافا لمراقبة مشروعيته، ويترتب على سحب القرار بمعرفة الجهة الإدارية ما يترتب على إلغائه قضائيا إذ يعتبر القرار كأن لم يكن وتمحى أثاره من وقت صدوره.
[الطعن بالتمييز رقم 786 لسنة 2011 إداري/2 – جلسة 27/1/2015] وأن الأثر المترتب على سحب أو إلغاء القرار – استرداد الإدارة سلطتها في إعادة إصدار القرار بصورة صحيحة.
[الطعن بالتمييز رقم 65 لسنة 2006 إداري – جلسة 26/6/2007]
[ الطعن بالتمييز رقم 194 لسنة 2013 إداري/2 – جلسة 27/10/2015]
ومفاد ما تقدم ووفقا للثوابت والمستقرات القضائية سالفة البيان، فإنه وإذ صدر القرار 2597 لسنة 2016 بسحب القرار 2012/2016 سحبا كليا واعتباره كأن لم يكن، فهذا مفاده ومؤداه أن القرار 2012 لسنة 2016 اعتبر كأن لم يكن، وكأنه لم يصدر، واستردت جهة الإدارة (وزارة العدل) سلطتها الكاملة في إصدار قرار جديد بصورة صحيحة وفقا لقرار السحب.. وبما يترتب على ذلك.
وإذا أضفنا إلى ذلك، واستصحابا لما سقناه سلفا – وإذ ان القرار الرقيم 2012/2016 (المسحوب) والقرار الساحب له رقم 2597/2016 لم يكن أحدهما أو كلاهما محلا للطعن سواء بالاستئناف أو التمييز – في الحالة المعروضة – حيث لم تطعن المدعية صاحبة الدعوى على قضاء الدرجة الأولى بعدم قبول طلبها إلغاء القرار الساحب فيما تضمنه من سحب القرار المسحوب، فمن ثم فإن أثر قرار السحب يكون فاعلا – في الحالة المعروضة – ويكون تبعا لذلك القرار 2012/2016 المسحوب، غير مطروح أيضا على بساط البحث أمام محكمة التمييز، كما أنه لم يكن مطروحا أمام محكمة الاستئناف.
من ناحية ثالثة: أورد الحكم – محل الدراسة – ص 15، 16 من مدونات أسبابه «أن مسلك جهة الإدارة بالنسبة لقرارات شغل وظائف إدارة الخبراء سواء التي تمت بالتعيين أو النقل أو بأي طريق آخر لشغلها والتي صدرت سواء فترة الوزير الأول بصفته الرئيس الإداري الأول أو الوزير الثاني بصفته الرئيس الإداري الثاني أو التي صدرت خلال الفترة من 26/10/2014 حتى 24/12/2017 قد شابها عيب عدم المشروعية الجسيم بما تغدو معه هذه القرارات منعدمة وتقضي المحكمة بإلغائها إلغاء مجردا».
وبنى الحكم هذا التأصيل الجامع للإجراءات التي تمت في عهدي الوزيرين/ مصدري القرارين المسحوب (2012/2016، والساحب له 2597/2019)، على الرغم من إيراده ما يؤكد على أن القرار 2012/2016 الصادر في عهد الوزير السابق – قد تم سحبه بتاريخ 28/12/2016 بموجب القرار 2597/2016 الصادر من الوزير اللاحق – واعتباره كأن لم يكن، وأن اللجنة المشكلة بموجب القرار 513/2016 الصادر من الوزير اللاحق – تمهيدا لإصلاح الوضع، والاطلاع على جميع الأوراق والتظلمات ورصد المخالفات والتجاوزات التي شابت ذلك القرار المسحوب 2012/2016 الذي أصبح غير موجود.
وإذ ان الثابت بأوراق الدعوى المعروضة القرار المسحوب رقم 2012/2016 قد تم سحبه سحبا كليا واعتباره كأن لم يكن، فمن ثم كان حريا بالحكم – محل الدراسة – الإشارة إلى ذلك، لاسيما أن الحكم أورد مدوناته في هذا الشأن بصيغة عامة إجمالية جامعة غير مانعة، بإلغاء قرارات شغل وظائف إدارة الخبراء سواء التي تمت بالتعيين أو النقل أو غيرهما من وسائل شغل الوظائف، سواء التي صدرت في فترة الرئيس الإداري الأول من 26/10/2014 حتى 9/12/2016 أو التي صدرت في فترة الرئيس الإداري الثاني من 10/12/2016 حتى 24/12/2017، بما فيها القرارات أرقام 2012/2016، و53 حتى 283 لسنة 2017، 595، 687، 785، 814، 882 لسنة 2017.
وهو أمر يتنافى مع طبيعة دعوى الإلغاء، ومع خصوصية واستقلال كل قرار بذاته، إذ ان لكل قرار استقلاله وذاتيته الخاصة عن غيره من القرارات، حيث يقوم على سبب وسند وباعث خاص به.
بل ان الحكم محل الدراسة، اعتبر هذه القرارات جميعها منعدمة، بقوله انه شابها عيب عدم المشروعية الجسيم بما تغدو معه هذه القرارات منعدمة.
وإذ ان المستقر في قضاء التمييز: أن القرارات الإدارية لا تنحدر إلى مرتبة العدم إلا في حالتين:
أولاهما: حالة غصب السلطة الذي يبلغ عدم الاختصاص فيها حدا يفقد مصدر القرار أي اختصاص له في إصداره.
وثانيهما: حالات الغش الذي يفسد كل التصرفات في أي من مجالات النظر القانوني أو يتدلى العيب اللاحق بالقرار إلى شائبة انعدام المحل أو فقد ركن الغاية.
(في هذا المعنى الطعن بالتمييز رقم 532 لسنة 2004 إداري – جلسة 27/6/2005)
وأي من الحالتين سالفتي البيان لم تتوافر في الحالة المعروضة (من وجهة نظرنا)، لأنه وإن كان هناك بعض الأخطاء في رصد درجات المتقدمين وقد تكون أخطاء مادية، ولم تكن تتعلق سوى بعدد ليس كبيرا من المتقدمين، إلا أن ذلك ليس عيبا جسيما يؤدي بالقرار إلى درجة الانعدام، لعدم انطوائه على غصب السلطة، كما أن الحكم لم يستظهر ما إذا كانت قد توافرت حالة من حالات الغش أو ما يدل على انعدام المحل أو فقد ركن الغاية.
كما أن ما تساند إليه الحكم محل الدراسة مما أشارت إليه اللجنة المشكلة بالقرار 513/2016 من وجود أخطاء، لم يكن يتطلب الإلغاء المجرد (لاسيما في ظروف مثل هذه الدعوى)، إذ خلت الأوراق مما يقطع بأن المخالفة التي وقعت فيها القرارات المطعون عليها هي مخالفات مطلقة لا يمحو عدم مشروعيتها – في حال وجودها – إلا الإلغاء التام أو المجرد، ذلك فإن مجرد قضاء المحكمة بإزالة وجه المخالفة البادية في القرار، إنما يكفي فيها في مثل هذه الحالة إلغاء القرار المطعون فيه إلغاء نسبيا.
(في هذا المعنى – المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 2566 لسنة 34 قضائية – جلسة 23/12/1990)
ومن ناحية رابعة: كذلك فقد أورد الحكم – محل الدراسة – في مدونات أسبابه ص 16 أنه: «في شأن الإلغاء المجرد – في هذه الأحوال – أنه يترتب عليه إلغاء جميع إجراءات المسابقة وسحب القرارات الصادرة بناء عليها وإعادة الإعلان عن الوظائف، وأخذا بهذا النهج، ولما سبق فإنه بات متعينا على جهة الإدارة الطاعنة بعد القضاء بإلغاء القرارات المشار إليها إلغاء مجردا إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدورها ويتعين على الإدارة إصدار إعلان جديد عن شغل وظائف الخبرة المشار إليها وإجراء مسابقة واستبعاد من شغل وظائف إدارة الخبراء في تلك الفترتين المشار إليهما وسحب القرارات الصادرة في هذا الشأن».
وهذا الذي أورده الحكم محل نظر لعدة أمور:
- أن الحكم استبعد كل من شغل وظائف إدارة الخبراء في الفترتين المشار إليهما من التقدم للمسابقة حال الإعلان عنها.
- ويعد ذلك مخالفا للمستقرات الدستورية والثوابت القانونية بالحق في المساواة في تولي وتقلد المواطنين الوظائف العامة.
- ويعد ذلك مخالفا لنص المادة 21/2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اتخذه الحكم محل الدراسة إحدى دعائم قضائه.
- يعد ذلك مخالفا لنص المادة 25/3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1966 الذي اتخذه الحكم محل الدراسة إحدى دعائم قضائه.
- يعد ذلك مفارقة لأحكام القانون، وإخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة بين المواطنين.
- يعد ذلك احدى صور التمييز المنهي عنه دستوريا بنص آمر قطعي الدلالة والثبوت بعدم التمييز بين المواطنين.
- يتعارض ذلك مع سابقة قيام من ألغي تعيينهم بأعباء الوظيفة واضطلاعهم بواجباتها خلال المدة من صدور القرارات المقضي بإلغائها حتى تاريخ صدور الحكم واكتسابهم خلال هذه المدة الخبرة العلمية التي قد ينعكس أثرها على الوظيفة في حال وقوع الاختيار عليهم لشغلها من جديد.
ومن ناحية خامسة: وكذلك أورد الحكم – محل الدراسة – ص 16 من مدونات أسبابه أنه:
«ولا يغير من ذلك (أي من قضائه) ترقي أو تعيين شاغلي وظائف الخبرة بموجب هذه القرارات المقضي بانعدامهما – أو شغلهم بأي طريق آخر لوظيفة أعلى أو أخرى – لأن ما بني على منعدم فهو منعدم بالتبعية، ولما كانت القرارات المشار إليها خلصت المحكمة إلى انعدامها، فإن شغل الوظائف الأعلى من قبلهم يكون منعدما بالتبعية ويتعين إلغاؤها».
فإن ما ذهب إليه الحكم محل الدراسة – محل نظر – ذلك أنه من المستقر عليه قانونا وقضاء:
«أن لكل من القرارات الإدارية استقلاله وذاتيته الخاصة عن غيره من القرارات، حيث يقوم على سبب وسند وباعث خاص به، وبالتالي فإنه يتعين الطعن عليه استقلالا، لاسيما وأن الحجية التي تلحق بالحكم الصادر بالإلغاء مقصورة على القرار محل الحكم، ولا تمتد إلى غيره، فلا تكون القرارات اللاحقة أثرا من آثار الحكم بالإلغاء، بمعنى أنه يتعين أن يلحقها الإلغاء تبعا لإلغاء قرار سابق، لأن في هذا القول توسعة فاقدة لسندها القانوني لمفهوم الحجية التي يتمتع بها الحكم الصادر بالإلغاء، فضلا عن إهدار ذاتية واستقلالية كل قرار إداري له ذاتيته المستقلة وسببه الذي يقوم عليه، والذي يختلف عن السبب الذي استند إليه القرار المقضي بإلغائه الذي خضع لرقابة المحكمة دون غيره من القرارات اللاحقة».
(دائرة توحيد المبادئ بمجلس الدولة المصري – الطعن رقم 19041 لسنة 53 قضائية عليا – جلسة 5/6/2010)
كما استقرت فتاوى الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري، على أن الإلغاء المجرد لا يستتبع سوى إلغاء القرار المطعون فيه والآثار المترتبة عليه، ولا يمتد إلى قرارات أخرى لا تعتبر من قبيل الآثار القانونية للقرار المطعون فيه، وعلى ذلك لا يؤدي صدور حكم الإلغاء إلى زوال القرارات الإدارية التالية التي لا تعتبر أثرا للقرار الملغى، والتي لم يتعرض لها الحكم سواء في أسبابه أو منطوقه.. مؤدى ذلك أن الحكم بالإلغاء المجرد لا يعدم بذاته قرارات الترقية التي كانت صدرت بناء على القرار الملغى.
(فتوى رقم 352 بتاريخ 5/4/1997) (فتوى رقم 86/2/262 – جلسة 26/2/1997).
الخلاصة
وفي الأخير، وإذ اننا بصدد حكم بات صادر من محكمة التمييز، التي تتربع على قمة الهرم في النظام القضائي، والتي لأحكامها كل التقدير، ووجوب التنفيذ، إلا أنه نظرا لكثرة عدد المشمولين بهذا الحكم، فإن ذلك يستدعي التفكير في إيجاد حلول قانونية قد يكون من شأنها معالجة الأمر:
ولذلك نرى أنه:
أولا: وفي ظل وجود طعون عديدة عن ذات موضوع الدعوى التي صدر فيها الحكم محل الدراسة سواء أمام محكمة الاستئناف، ولذا فإنه قد يكون من الممكن إحالة الطعون التي لم يفصل فيها إلى دائرة تمييزية إدارية غير التي أصدرت الحكم محل الدراسة، إذ أنه في حالة ما إذا ارتأت الدائرة الأخرى العدول عن المبدأ الذي قررته الدائرة مصدرة الحكم الماثل، فإن لها الحق في أن تحيل الدعوى إلى دوائر المحكمة مجتمعة للفصل فيها لتوحيد المبادئ، عملا بنص المادة (4) من قانون تنظيم القضاء الصادر بالمرسوم رقم 23/1990 المعدل بالقانون 2/2003، والذي جرى على أنه:
وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة منها أو من الدوائر الأخرى أحالت الدعوى إلى دوائر المحكمة مجتمعة للفصل فيها، وتصدر الأحكام بأغلبية الآراء.
ثانيا: إقامة دعوى بطلان أصلية على الحكم، قياسا واستصحابا (لما أوردته محكمة التمييز في قضائها في دعوى البطلان التي أقامتها الحكومة بشأن بطلان المزايا المالية ومطالبة الحكومة ممثلة في ادارة الفتوى بتخصيص دائرة من القضاة غير الكويتيين لنظر الطلبات المقامة من القضاة الكويتيين) من أن ما نص عليه المشرع الكويتي - واستقر عليه قضاء التمييز - من أنه لا يجوز الطعن على أحكام محكمة التمييز، سوى ما خوله لمحكمة التمييز من حق إلغاء الأحكام الصادرة منها في حالة قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد قضاتها الذين أصدروا الحكم، وذلك وفقا للمادتين 102 و103 من قانون المرافعات، زيادة في التحوط لسمعة القضاء، وسبيل الخصم إلى الطعن ببطلان حكم التمييز يكون بطلب يقدمه إلى الدائرة التي أصدرته، ما يدل على أن سبيل الخصم إلى الطعن ببطلان حكم التمييز يكون بطلب يقدمه لذات الدائرة التي اصدرته غير مقيد في تقديمه بميعاد حتمي أخذا بعموم النص وإطلاقه، كما أنه لا يعد طعنا منه بطريق التمييز، وإنما هو بمنزلة دعوى بطلان أصلية فإذا ثبت للدائرة التي أصدرت الحكم المطلوب القضاء ببطلانه أن الطلب قد توافرت فيه موجبات قبوله ألغت الحكم الصادر منها، وأعادت نظر الطعن أمام دائرة أخرى، وإن تبين لها أن الطلب لم يكن كذلك حكمت بعدم قبوله، ومن ثم فان الدائرة التي تختص بنظر دعوى البطلان الأصلية المقامة بطلب بطلان حكم التمييز تكون هي ذاتها الدائرة مصدرة الحكم.
ثالثا: دراسة مدى إمكانية قيام أحد ممن شملهم الإلغاء المجرد بعمل اعتراض الخارج عن الخصومة وفقا لما جاء بنص المادة 158 من قانون المرافعات من أنه: يجوز لمن يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه، ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها، أن يعترض على هذا الحكم بشرط إثبات غش من كان يمثله في الدعوى أو تواطؤه أو إهماله الجسيم.
مما يدل - وعلى ما أفصحت به المذكرة الإيضاحية - على أن الاعتراض على الحكم ممن ليس طرفا في الخصومة لا يعتبر طريقا من طرق الطعن في الحكم من المحكوم عليه، إنما هو في واقع الأمر من قبيل التدخل في الخصومة، وإن كان يقع بعد صدور الحكم فيها خوله المشرع لمن يعتبر الحكم حجة عليه، ولم يكن قد أدخل أو تدخل في الدعوى، بشرط أن يثبت المعترض غش من كان يمثله في الدعوى أو تواطئه أو إهماله الجسيم.
(في هذا المعنى الطعون 172، 174، 177/2001 عمالي جلسة 8/12/2003)
وفي الأخير: نردد مع الإمام الشافعي قوله: «رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاءنا بأفضل منه قبلناه»...